Ihkam al-Ahkam Sharh Umdat al-Ahkam
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
Editorial
مطبعة السنة المحمدية
Géneros
Ciencia del Hadiz
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
فِي إعْمَالِ الْأَصْلِ، وَطَرْحِ الشَّكِّ، وَكَأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهَا، مِثَالُهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ، وَهِيَ " مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ سَبْقِ الطَّهَارَةِ " فَالشَّافِعِيُّ أَعْمَلَ الْأَصْلَ السَّابِقَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَطَرَحَ الشَّكَّ الطَّارِئَ، وَأَجَازَ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَمَالِكٌ مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَكَأَنَّهُ أَعْمَلَ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ تَرَتُّبُ الصَّلَاةِ فِي الذِّمَّةِ، وَرَأَى أَنْ لَا يُزَالَ إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي إعْمَالِ الطَّهَارَةِ الْأُولَى، وَإِطْرَاحِ الشَّكِّ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا، فَالشَّافِعِيُّ اطَّرَحَ الشَّكَّ مُطْلَقًا، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ اطَّرَحَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ: أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ إذَا وُجِدَ فِيهِ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ، فَالْأَصْلُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ، وَعَدَمَ إطْرَاحِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إطْرَاحِ الشَّكِّ إذَا وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ، وَكَوْنُهُ مَوْجُودًا فِي الصَّلَاةِ: مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا، فَإِنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ مَانِعٌ مِنْ إبْطَالِهَا، عَلَى مَا اقْتَضَاهُ اسْتِدْلَالُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] فَصَارَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَصْلًا سَابِقًا عَلَى حَالَةِ الشَّكِّ، مَانِعًا مِنْ الْإِبْطَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ اعْتِبَارِهِ إلْغَاؤُهُ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَصِحَّةِ الْعَمَلِ ظَاهِرًا: مَعْنًى يُنَاسِبُ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَى الشَّكِّ، يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ.
فَلَا يَنْبَغِي إلْغَاؤُهُ، وَمِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَنْ قَيَّدَ هَذَا الْحُكْمَ - أَعْنِي إطْرَاحَ هَذَا الشَّكِّ - بِقَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ فِي سَبَبٍ حَاضِرٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، حَتَّى لَوْ شَكَّ فِي تَقَدُّمِ الْحَدَثِ عَلَى وَقْتِهِ الْحَاضِرِ لَمْ تُبَحْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَمَأْخَذُ هَذَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَوْصَافِهِ الَّتِي يَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا، وَمَوْرِدُ النَّصِّ: اشْتَمَلَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ كَوْنُهُ شَكَّ فِي سَبَبٍ حَاضِرٍ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، مِنْ الشَّكِّ فِي سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَضْعَفُ قَلِيلًا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعَمَلِ ظَاهِرَةٌ، وَانْعِقَادُ الصَّلَاةِ: سَبَبٌ مَانِعٌ مُنَاسِبٌ لِإِطْرَاحِ الشَّكِّ، وَأَمَّا كَوْنُ السَّبَبِ نَاجِزًا: فَإِمَّا غَيْرُ مُنَاسِبٍ، أَوْ مُنَاسِبٌ مُنَاسَبَةً ضَعِيفَةً
1 / 118