ولكن هأنذا بعد سبع سنوات لم أطلقها؛ إذ هي أم أولادي الثلاثة، وكلانا يحب الآخر ويحترمه، ويجد فيه أقصى ما كان يهوى من سعادة الزواج.
ولكن شيئا واحدا فقط ينغص علي، وهو أن الشيخ حسين عندما يشرب ويسكر يقص على مساهريه ومسامريه القصة على حقيقتها، ويفخر بأنه نصب علي وزوجني بنت أخيه بخداعي بأني رجل شهم يجب أن أنقذ شرف العائلة، وأنه لم يكن هناك عريس، ولم يكن هناك خلاف على الجهاز.
الفصل التاسع عشر
موت عظيم
إن له حقا في أن يحيا على هذه الأرض كما نحيا نحن، بل لعل حقه أكبر من حقنا؛ إذ من يدري؟ فلعله قد ورثها عن آباء عاشوا نحو خمسين ألف سنة هنا، في هذه البقعة.
حدثت هذه الحادثة في 1919؛ فقد كنت أقيم في الريف وأشتغل بالزراعة، وكانت عنايتنا كبيرة جدا بالقطن الذي ارتفع ثمنه إلى خمسة وأربعين جنيها للقنطار، وحدث أن شكا إلي أحد المزراعين ذئبا ضاريا، يتعسس في الليل بيوت الفلاحين، ويفتك بما يجد من دجاج أو خراف أو ماعز، وطلب إلي أن أقتله.
وخرجت قبيل الساعة الرابعة من الصباح، أنا وصديقي بهنساوي، نرصد هذا الوحش ونكمن له، ومعي بندقية صادقة لا تخطئ الهدف، وكان صديقي هذا بهنساوي، فلاحا يبلغ الستين، وكان حكيما من أولئك الأميين الذين اكتسبوا من خبرة الدنيا ما يوهمك أنهم قد درسوا الكتب، وكانت له فراسة في الزراعة والأرض تعجب من صدقها، كأنه يبصر بما سوف تنتج.
وكمنت أنا وهو خلف كومة من التراب نترقب، ولم يمض قليل حتى بدا لنا الذئب الذي كلفت قتله، ورأيته يسير في خطوات سريعة لكن في غير هرولة، وكان عائدا من صيد الليل إلى الجبانة القديمة التي يسكن في بعض قبورها.
ورفعت البندقية، وسددتها إليه، وفتحت الزند، ولكني رأيتني أقف عن إطلاق النار، فإن شيئا في هذا الذئب وقف يدي وجمد أصابعي؛ فقد كانت في وحشيته روعة وجمال، وأحسست أني إزاء عظيم من عظماء الطبيعة، بل إن الطبيعة نفسها كانت، بقطنها وقمحها، داجنة بالمقارنة إليه. وتلبثت أنظر إليه في إعجاب، وهو يسير برأسه المرفوع وشهامته المتحدية، كأنه احتجاج على هذا التمدن الذي عم حقولنا وأحالها إلى مزارع تجارية للقطن والقمح.
وقال صديقي بهنساوي: اقتله، اقتله.
Página desconocida