ومن ذلك الجمَّيز وهو بمصر كثيرٌ جدًا ورأيت منه شيئا بعسقلان والساحل، وكأنّه تينٌ برّي وتخرج ثمرته في الخشب لا تحت الورق ويخلِّف في السنة سبعة بطون ويؤكل أربعة أشهر ويَحمل وقرا عظيما وقبل أن يجيء بأيام يصعد رجل إلى
الشجرة معه حديدة يَسِمُ بها حبة حبة من الثمرة فيجري منها لبن أبيض، ثم يسود الموضع وتحلو الثمرة بذلك الفعل، وقد يوجد منه شيء شديد الحلاوة أحلى من التين، لكنه لا ينفعك في أواخر مضغه من طعم خشبية ما، وشجرته كبيرة كشجرة الجوز العاتية ويخرج من ثمره وغصنه إذا فصد لبن أبيض إذا طلي على ثوب أو غيره صبغه أحمر، وخشبه تعمر به المساكن ويتخذ منه الأبواب وغيرها من الآلات الجافية وله بقاء على الدهر وصبر على الماء والشمس، وقلما يتآكل هذا مع أنه خشب خفيف قليل اللّدونة ويُتّخَذ من ثمرته خلٌّ حاذق ونبيذ حاذ.
قال جالينوس: الجمّيز بارد رطب فيما بين التوت والتين وهو رديء للمعدة ولبن شجرته له قوّة ملينِّة تلصق الجراح وتفشِ الأورام ويلطّخ على لسعِ الهوام، ويحلّل حساة الطحال وأوجاع المعدة ضمادا، ويتّخذ منه شراب للسعال المتقادِم ونوازِل الصدر والريه، وعمله بأن يُطبخ في الماء حتى تخرج فيه قوته ويطبخ ذلك الماء مع السكَّر حتى ينعقد ويرفع، وقال أبو حنيفة، ومن أجناس التين تين الجمّيز وهو تين حلو رطب له معاليق طوال ويزبَّب، وضَربٌ آخر من الجمّيز حملة كالتين في الخلقة وورقه أصفر من ورق التين وتينه أصفر صغار وأسود ويكون بالقور ويُسمّى التين الذكر، والأصفر منه حلو والأسود يدمي الفم وليس لتينه علاقةٌ بل لاصقٌ بالعود.
ومن ذلك البلسان، فأنّه لا يوجد اليوم إلّا بمصر بعين شمس في موضع محاط عليه محتفظ به مساحته نحو سبعة أفدنة وارتفاع شجرته نحو ذراع وأكثر من ذلك، وعليها قِشران الأعلى أحمر خفيف والأسفل أخضر ثخين، وإذا مضغ ظهر في الفم منه دهنيته ورائحة عطرة وورقه شبيه بورق السنداب، ويجتني دهنه عند طلوع الشعرى بأن تشدخ السوق بعد ما يحتّ عنها جميع ورقها وشدخها يكون بحجر يتخذ محددا، ويفتقر شدخها إلى صناعة بحيث يقطع القشر الأعلى ويشق
الأسفل لا ينفذ إلى الخشب فإن نفذ إلى الخشب لم يخرج منه شيء، فإذا شدخه كما وصفنا أمهله ريثما يسيل لثاه على العود فيجمعه بإصبعه مسحا إلى قرن فإذا امتلأ صبَّه في قناني زجاج ولا يَزالُ كذلك حتى ينتهي جناهُ وينقطع لثاه، وكلما كثر الندى
1 / 9