La gestión islámica en la gloria de los árabes
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Géneros
كثيرا ما حاول بعض الباحثين في شئون الإسلام على عهده الأول أن يصوروا العرب في غير صورتهم ذهابا مع أهواء النفوس، وأن يستنتجوا استنتاجات ناقصة في أحكامهم على الرسول عليه الصلاة والسلام، ويغضوا من بعض أصحابه، وينحوا إنحاء شديدا على المدنية الإسلامية، زاعمين أن العرب حتى في الإسلام لم يعملوا عملا يذكر في باب التمدين، وأنهم مقلدون في جميع أعمالهم ما زادوا على ما تعلموه من الروم والفرس من أساليب الحضارة. ولو صح ما قالوا لكانت قوانين فارس والروم صالحة للبقاء وافية بالغرض، ولما استطاع العرب أن ينزعوا سلطان تينك الأمتين العظميتين عن أجمل أصقاع الأرض، ويحكموها وينظموها على مثال مبتكر لم تكد تشهد البلاد مثله.
وسنثبت في سلسلة هذه المحاضرات في الإدارة الإسلامية على عهد التفوق أن الإسلام ابتكر وأبدع في الحرب والإدارة والسياسة كما اخترع وأبدع في العلم والتشريع وأسباب المدنية على نحو ما يتجلى في صفحات التاريخ الإسلامي، ونأتي بالبراهين التي لا يسع منصفا عارفا إنكارها، ونكتفي الآن بأن نقول: إن من أهم المعجزات المحمدية بعد القرآن هذه الطبقة العالية من الصحابة الكرام الذين خرجوا من تلك البوتقة الطاهرة ذهبا إبريزا، وكانوا من أجمل أدوات الإبداع فأبانوا في كل مواقفهم عن عقول مثقفة، ونفوس شريفة، وبعد نظر في إدارة الشعوب والممالك.
ولقد قضى هذا الضعيف الواقف بينكم زمنا طويلا يتأمل ما كتب في تراجم الصحابة، وتاريخ أعمالهم وتعليلها وحلها فما رأى - علم الله - بعد طول النظر واستعمال العقل النقاد إلا ما يعجب منه. وإذا كانت هناك بعض هنات قليلة نسبت لبعضهم فإنها ناشئة من خطأ في الاجتهاد. ومن الميسور أن يجاب عنها لأن الصحابة كانوا بشرا أيضا، وحب الدنيا قد لا يخلو منه أمثل الناس أخلاقا. بيد أن التربية التي ورثها الصحابة من الشارع الأعظم قد هيأتهم لممارسة الأعمال العظيمة، لما أخرجهم بهديه من الظلمات إلى النور، فكانوا عظاما في كل مظاهرهم حتى أدهشوا الأمم بجميل صنعهم، وأنشأوا في نحو مائة سنة مملكة عظيمة لم يسبق لأمة قبلهم أن دانتهم في مثل ما تم على أيديهم.
أوكان يقوم كل هذا لولا أن الصحابة كانوا على استعداد فطري تام لتلقي فضائل صاحب هذا الوحي العظيم؛ فساروا بسيرته، وعملوا بشريعته في كل أرض وطئتها أقدامهم وارتفعت على ربوعها أعلامهم؟ إن ما نقله العرب عن غيرهم من تراتيب المماليك معروف ومعترف به، والإنصاف يقضي أن يسجل لهم قسطهم من الأعمال المنبعثة مباشرة من قرائحهم المزينة بأخلاق عالية ما عهد فيما نظن مثلها كثيرا في الأمم السالفة ولا الخالفة.
وها هنا نحن أولاء نبدأ الليلة في الكلام على الإدارة في عهد الرسول، وعمدتنا فيما نقتبس كتب الثقات والأمهات المعتبرة، وخطتنا أن نتحامى الاستنتاج بالمقياس الواسع إذا كانت الوثائق التي لدينا غير كافية. ومن الصعب على من يتوخى العدل أن يحكم على الشبهة ويجسم الصغير ، وإذا فعل يكون الحق في واد وهو في واد آخر، وهذا مما لا يليق بباحث غرضه الوصول إلى النور، وإيصاله إلى من يهمهم أن يستصبحوا به في موضوعات يشق على كل إنسان خوض عبابها.
إدارة الرسول
دعا الرسول إلى الإسلام لأول مبعثه ثلاث سنين سرا، ولما اضطهد المشركون من قريش أصحابه أرادهم على التفرق في البلاد، وأشار إليهم بالهجرة مع نسائهم إلى أرض الحبشة؛ علما منه بأن صاحبها يحسن جوارهم ولا يظلمهم ويعنتهم، ثم دعا المسلمين إلى المهاجرة الثانية فرارا بدينهم من أذى قريش الذين اشتدوا عليهم، ومن جملة هذا الأذى أنهم كانوا يلبسون المستضعفين من المؤمنين برسالة الرسول أدراع الحديد، ثم يصهرونهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس. وكانوا يلصقون ظهر بعضهم بالرضف
1
حتى ذهب لحم متنه. وعن ابن عباس: «والله إن كان المشركون ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه، حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، وحتى يقولوا له: آللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم.» فكان الأمر بالهجرة أولا وثانيا أول تدبير إداري من الرسول، أنقذ به أصحابه من عنت المشركين، ريثما تستحكم قواه فيعود على أعدائه يعرفهم أقدارهم، ويناقشهم أوزارهم.
وصححوا حديث: «لا هجرة بعد الفتح.» وقالوا: إن الهجرة
Página desconocida