La gestión islámica en la gloria de los árabes
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Géneros
تسلط سعد بن أبي وقاص عليه فسكت عنه عمر، فأعاد عتبة ذلك مرارا، فلما أكثر على عمر قال: وما عليك يا عتبة أن تقر بالإمرة لرجل من قريش له صحبة مع رسول الله وشرف. فقال له عتبة: ألست من قريش والرسول يقول: «حليف القوم منهم.» ولي صحبة مع رسول الله قديمة لا تنكر ولا تدفع؟ فقال عمر: لا ينكر ذلك من فضلك. قال عتبة: أما إذا صار الأمر إلى هذا فوالله لا أرجع إليها أبدا. فأبى عمر إلا أن يرده فرده فمات بالطريق، وهذا من تأثير عمر في عماله ومعاملته لهم كما تريد المصلحة لا كما يريدون. مثال آخر يخالف هذا - والإدارة تختلف باختلاف الأزمان والبلدان - خالف معاوية وهو أمير الشام عبادة بن الصامت في شيء أنكره عبادة فأغلظ له معاوية في القول. فقال عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبدا. ورحل إلى المدينة، فقال عمر: ما أقدمك؟ فأخبره. فقال: ارجع إلى مكانك يفتح الله أرضا لست فيها أنت ولا أمثالك. وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه. ذلك أن عمر لم يكن يستغني عن خدمة معاوية ولا عن فضل عبادة.
كان عمر وهو خليفة لا يميز نفسه عن جمهور الناس بشيء في لباسه ومركبه وحركته، يختلط بالشعب كأنه واحد منهم، ومع هذا كان الناس يخافونه، ولو وقع مثل هذا التواضع أو التبذل من أحد أفراد الناس؛ لجسروا عليه وضعف سلطانه عليهم إن كان من أرباب السلطان. ولقد كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر في أن يلين لهم؛ فإنه قد أخافهم حتى إنه أخاف الأبكار في خدورهن. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك؛ إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي. وقال عمر: قد ألنا وإيل علينا أي ولينا وولي علينا. معناه قد ولينا فعلمنا ما يصلح الوالي، وولي علينا فعلمنا ما يصلح الرعية.
وما أرانا نبعد عن الصواب إذا حكمنا أن شطرا عظيما من وقت عمر في ولايته كان يصرفه في سياسة العمال، وكشف حالهم، وانتقاء أصلحهم، وتسليكهم في الإدارة والسياسة والقضاء على أسلوب محكم لا تكاد تلحق به في هذا القرن أعرق الدول الحديثة في المدنية وأفضلها بنظمها الإدارية والدستورية. ولعل في الناس من يقول إذا عرضنا هنا لمصادرات عمر، وهذا أيضا من باب الشدة المتناهية والحجر على حرية العمال، وإدخال الخوف عليهم بالضرب على أيديهم على صورة تحرمهم متع الحياة، ولا توليهم منه غير الجفاء والخشونة في المعاملة. نعم، هكذا كان عمر، وهكذا وضع أساس الملك الإسلامي، هو لا يجوز إغناء أفراد بإفقار أمة، ولا إسعاد فئة بإشقاء مجموع. كان ممن يشترون رضا العامة بمصلحة الأمراء،
35
فكان الوالي في نظره فردا من الأفراد، يجري حكم العدل عليه كما يجري على غيره من سائر الناس، فكان حب المساواة لا يعدله شيء في أخلاقه. إذا اشتكى العامل أصغر الرعية جره إلى المحاكمة حيث يقف الشاكي والمشكو منه يسوي بينهم في الموقف حتى يظهر الحق فإن توجه قبل العامل اقتص منه إن كان هناك داع إلى القصاص أو عامله بما تقضي به الشريعة أو عزله. ومن عادة عمر أن يكتب أموال عماله إذا ولاهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك وربما أخذه منهم. مر ببناء يبني
36
بحجارة وجص فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملا له على البحرين فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها! وشاطره ماله، وكان يقول: لي على كل خائن أمينان الماء والطين.
ولقد صادر عمر عامله على مصر عمرو بن العاص؛ لأنه فشت له فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن له حين ولي مصر، فادعى عمرو أن أرض مصر أرض مزدرع ومتجر، وأنها أثمان خيل تناتجت، وسهام اجتمعت، وأنه يصيب فضلا عما يحتاج إليه لنفقته، ومع ذلك قاسمه عمر ماله. وصادر أبا هريرة عامله على البحرين؛ لأنه اجتمعت له عشرة آلاف وقيل عشرون ألفا، وادعى أن خيله تناسلت، وسهامه تلاحقت، وأنه اتجر، فقال له عمر: انظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال. يريد بذلك أن يحصر العامل وكده في خدمة أهل عمله، أما الاتجار وتثمير الأموال فهذا ليس من شأن عمال الدولة؛ فإن لهؤلاء ما يتبلغون به من رزق. وكان يرى في مصادرة العمال وقهرهم ترويضا لهم على الطاعة وترك التبجح والإدلال على الرعية، وممن شاطرهم أيضا النعمان بن عدي عامله على ميسان، ونافع بن عمرو الخزاعي عامله على مكة، ويعلى بن منية عامله على اليمن، وسعد بن أبي وقاص عامله على الكوفة، وخالد بن الوليد عامله في الشام، وآخذ خالد بن الوليد؛ لأنه أمره أن يحبس المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان فأجاز الأشعث لشعره؛ فغضب عمر، وكان أحد الشعراء كتب إليه يقول:
نحج إذا حجوا ونغزو إذا غزوا
فأنى لهم وفر ولسنا بذي وفر
Página desconocida