كل عقل 〈بالفعل 〉 فإنه يعقل ذاته، وذلك أنه عاقل ومعقول معا. فإذا كان العقل عاقلا ومعقولا، فلا محالة أنه يرى ذاته. 〈فإذا رأى ذاته〉 علم أنه عقل يعقل ذاته. فإذا علم ذاته علم سائر الأشياء التى تحته لأنها منه، إلا أنها فيه بنوع عقلى. فالعقل والأشياء المعقولة واحد. وذلك أنه إن كان جميع الأشياء المعقولة فى العقل، والعقل يعلم ذاته، فلا محالة أنه إذا علم 〈ذاته علم سائر الأشياء. وإذا علم〉 سائر الأشياء علم ذاته. وإذا علم الأشياء فإنما يعلمها لأنها معقولة. فالعقل إذن يعلم ذاته ويعلم الأشياء المعقولة معا، كما بينا.
[chapter 13] ١٣ — باب آخر
كل نفس فإن الأشياء الحسية فيها لأنها مثال لها، والأشياء العقلية فيها لأنها علم لها. وإنما صارت كذلك لأنها متوسطة بين الأشياء العقلية التى لا تتحرك، وبين الأشياء الحسية المتحركة. فلما كانت النفس كذلك، صارت تؤثر الأشياء الجرمية، فلذلك صارت علة الأجرام وصارت معلولة من العقل الذى قبلها. فالاشياء التى أثرت من النفس 〈هى〉 فى النفس بمعنى مثال، أعنى أن الأشياء الحسية مثلت على مثال النفس، والأشياء التى تقع فوق النفس هى فى النفس بنوع مستفاد.
فإذا كان هذا هكذا، عدنا فقلنا إن الأشياء الحسية كلها فى النفس بنوع علة، غير أن النفس علة مثالية. وأعنى بالنفس القوة الفاعلة للأشياء الحسية. إلا أن القوة الفاعلة فى النفس ليست هيولية، والقوة الجرمية فى النفس روحانية، والقوة المؤثرة فى الأشياء ذوات الأبعاد بلا بعد. وأما الأشياء العقلية فى النفس فإنها بنوع عرضى، أعنى أن الأشياء العقلية التى لا تتجزأ هى فى النفس بنوع يتجزأ، والأشياء العقلية والوحدانية هى فى النفس بنوع تكثير، والأشياء العقلية التى لا تتحرك هى فى النفس بنوع حركة.
Página 15