Idah Fi Sharh Misbah
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Géneros
فهذا كلامه عليه السلام، وقد علمت أنه لا تصح دعوى الإجماع مع مخالفته، بل لا ينبغي مساواة كلام الناس جميعا بقوله فإنه يجب طرح أقوالهم واعتماد قوله لأن قوله حجة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(علي مع الحق والحق مع علي، علي مع القرآن والقرآن مع علي)، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار:(إذا سلك الناس واديا وعلي واديا فعليك بعلي وخل عن الناس)، أو كما قال: ولأنه معصوم مع ذلك. وقد نقل بالسند الصحيح مخالفة غيره، فإنه لما بويع لأبي بكر حمل الناس عمر على ذلك طوعا وكرها حتى أفضت الحال إلى أمور شنيعة، فمن ذلك كسر سيف الزبير بن العوام، واستخف بسلمان، وضرب عمار بن ياسر، وأسقط سعد بن عبادة من مرتبته حتى قال قائلهم: قتلتم سعدا فقال عمر: قتله الله فإنه منافق وأخذ عمر سيفه واعترض به صخرة فقطعه، وكذلك فإن المروي أن عمر بن الخطاب قال لعلي (عليه السلام) : بايع لأبي بكر، قال: فإن لم، قال: ضربنا عنقك، وكذلك فإن المروي عن أبي بكر أنه قال لسعد بن عبادة: لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لأضربن الذي فيه عيناك، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة. وكفى في بطلان دعوى الإجماع بما رواه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (عليه السلام) في حقائق المعرفة قال: لما بويع أبو بكر وارتقى المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ممن قعد عن بيعته اثني عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار، فكان من المهاجرين خالد بن سعيد وأبو ذر وعمار والمقداد وسلمان وأبي بن كعب، وكان من الأنصار قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وأبو الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبو بردة الأسلمي وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري، فقال بعضهم لبعض: قوموا إلى هذا الرجل فأنزلوه من منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بعضهم: إن هذا الرجل اتفقت عليه الأمة ولكن انطلقوا بنا إلى صاحب هذا الأمر حتى نشاوره ونستطلع رأيه وانطلقوا القوم حتى أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام علي بن أبي طالب) ، فقالوا: يا أمير المؤمنين كنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأينا هذا الرجل قد صعد منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأردنا أن ننزله عنه فكرهنا أن ننزله دونك ونحن نعلم أن الحق لك، فقال عليه السلام، أما أنكم لو فعلتم ما كنتم إلا حربا لهم وما كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد وقد اتفقت هذه الأمة التاركة قول نبيئها الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، وقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما يعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لأهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن انطلقوا إليه وأخبروه بما سمعتم من قول نبيئكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا تتركوا شبهة من أمره ليكون ذلك أوكد في الحجة وأبلغ في العقوبة إذا لقي الله وقد عصاه وخالف أمر نبيئه، فانطلق القوم في يوم جمعة في وقت صلاة الظهر حتى جثوا حول منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل أبو بكر فصعد المنبر، فقال المهاجرون للأنصار: قوموا فتكلموا بما سمعتم من قول نبيئكم صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الأنصار للمهاجرين: بل أنتم قوموا فتقدموا فإن الله قدمكم علينا في كتابه قال الله تعالى{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}(التوبة:117) وكان أول من تكلم خالد بن سعيد فقام قائما على قدميه وقال: معاشر المسلمين أنشدكم الله وبحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهدون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي:(هذا خالد صديق قومه)؟ فقالوا : بلى والله نشهد بذلك، فقال: يا معاشر المسلمين فأنا أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول(علي قائد البررة وقاتل الكفرة وهو أحق بالأمر من بعدي) ثم جلس، وقام من بعده أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر الناس أنشدكم بالله وبحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهدون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يرحمك الله يا أبا ذر تموت وحدك وتدفن وحدك وتحشر وحدك وتحاسب وحدك وتدخل الجنة وحدك (يكرم بك) الله سبعة نفر يلون غسلك ودفنك)، قالوا: نشهد والله بذلك، قال: فأنا أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول?علي أخي وابن عمي وأبو سبطي والحجة من بعدي)، ثم جلس. وقام سلمان الفارسي فقال يا معشر المسلمين ناشدتكم بالله وبحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهدون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:(سلمان منا أهل البيت) قالوا: بلى والله نشهد بذلك، قال: فأنا أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:(علي إمام المتقين وقائد الغر المحجلين والأمير من بعدي)، ثم جلس. ثم قام من بعده المقداد بن الأسود الكندي ثم قال: معشر المسلمين أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:(علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فالفائز من تولاه والكافر من عاداه)، ثم جلس. وقام من بعده عمار بن ياسر فقال: يا معشر المسلمين ناشدتكم الله وبحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهدون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال(يا آل ياسر أبشروا مأواكم الجنة)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):(عمار مع الحق والحق مع عمار حيث ما دار دار الحق معه)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):(يا عمار تقتلك الفئة الباغية يكون آخر زادك من الدنيا قعب من لبن)، فقالوا: بلى والله نشهد بذلك، ثم أقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر ارجع عن ظلعك واقبر شرك والزم منزلك وابك على خطيئتك ورد الأمر إلى من جعله الله (ورسوله له) ولا تركن إلى الدنيا ولا يغرنك من قريش أوغادها فعن قليل ترتحل عن دنياك وما ربك بظلام للعبيد ، ثم جلس. وقام من بعده أبي بن كعب وقال: يا معاشر المسلمين ألستم تشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقى المنبر يوم غدير خم وقام علي عليه السلام إلى جانبه وحط يده اليمنى وشالا أيديهما حتى رؤي بياض إبطيهما ثم قال : (يا معشر الناس من كنت نبيه فهذا علي وليه، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) ثم جلس. وقام من بعده قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا أبا بكر ألست تشهد أن (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم يوم كنا بين يديه فأقبل عليك بوجهه فقال?يا أبا بكر من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغض الله كان حقيقا على الله أن يكبه على منخريه في نار جهنم) فقال: بلى أشهد بذلك، ثم قال: يا معشر المسلمين أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول?أنا حرب لمن حارب عليا وسلم لمن سالم عليا)، ثم جلس. وقام من بعده أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا معاشر المسلمين ألستم تشهدون بأن (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم قال:(هذا ابن التيهان ما كذبني منذ آمن بي ولا نافقني منذ صدقني)، قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: يا معاشر المسلمين أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:(علي سفينة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق أو قال في النار هوى)،ثم جلس. وقام من بعده سهل بن حنيف فقال: معشر المسلمين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (علي باب حطة من دخل منها كان آمنا)، ثم جلس. وقام من بعده أبو بردة الأسلمي فقال: معاشر المسلمين أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :(علي أخي، وابن عمي، وحامل رايتي يوم القيامة، والخليفة من بعدي، المؤمن من تابعه والكافر من خالفه)، ثم جلس.وقام من بعده خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وقال: يا معاشر المسلمين ألستم تشهدون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل شهادتي وحدي ولم يزد معي غيري، قالوا: بلى نشهد بذلك، فقال: إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:( ألا إن الله ربكم ومحمدا نبيئكم والقرآن إمامكم والإسلام دينكم وعليا هاديكم فوالى الله من والاه وعادى من عاداه)، ثم جلس.وقام من بعده أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أبا بكر ألست تذكر هذه الآية يوم نزلت {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(المائدة:55) فقمت أنت وصاحبك فقبلتما بين كتفيه وقلتما: أصبحت والله مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فقال: بلى قد كان ذلك ، فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:( علي عين الله في خلقه ولايته الصراط المستقيم والحجة على الأمة بعدي)، فلما سمع أبو بكر ذلك نزل عن المنبر ودخل منزله فمكث لا يخرج إلى الناس ثلاثة أيام، فلما أن كان في اليوم الرابع أتاه عمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف وسالم مولى حذيفة والأشعث بن قيس وأبو موسى الأشعري وقنفذ مولى عمر مع كل رجل منهم عشرة رجال شاهرين لأسيافهم حتى أخرجوه من منزله حتى علا المنبر فخطب وجعلوا يدورون في المدينة وهم يقولون: والله لئن عاد أحد إلى مثل (ما تكلم به) بالأمس لنعلونه بأسيافنا، فأمسك القوم للقوم عند ذلك ولم يردوا جوابا، فهذا ما حكي عنهم، وهل تصح دعوى الإجماع مع صدور ذلك من هؤلاء، هذا باطل، وإذا قيل: هذه الروايات آحادية، قلنا: كل من روى الإجماع على البيعة التي تدعونها يروي هذه الأخبار، فما أجبتم فهو جوابنا، قالوا: وقع الخلاف في الابتداء ثم وقع الإجماع بعد ذلك. قلنا: إن سلمتم وقوع الاختلاف في الابتداء فعلى مدعي الاتفاق بعد ذلك إيراد الدلالة القاطعة بالاتفاق، ثم أنا نقول للمخالف: خبرنا عن إمامة أبي بكر حال الخلاف هل هي صحيحة أو غير صحيحة؟ إن قال: صحيحة، قلنا: كيف تصح مع الخلاف؟ وإن قال: باطلة، قلنا: فيلزمك استمرار البطلان، لأن من قال ببطلانها في ابتداء الأمر قال كذلك في انتهائه إذ لا قائل بالفصل بينهما، قالوا: بايع علي أبا بكر، قيل: بعد نصف سنه وقيل غير ذلك.قلنا: العترة مجمعة على أنه عليه السلام ما بايع أبا بكر بيعة عهد ورضى وإجماعهم حجة وأكثر أهل البيت (عليهم السلام) ينفي وقوعها ومن ذكرها فعلى وجه الإكراه لما روي: أنه أتى ملبيا، وقيل: في عنقه حبل وتوعده بالقتل، (وقيل: أنه قال) إن لم تبايع ضربنا عنقك مع قوله اللهم اشهد، وذلك مما لا اعتبار به فكأن لم تكن لو صح وقوعها، قالوا: مسألة الإمامة مسألة اجتهادية وكل مجتهد فيها مصيب وهذا الإيراد للحشوية ومن جرى مجراهم، قلنا: هي بمعزل عن الظن لأن طريق وجوبها وثبوتها وطريق شروطها وما لا يتم إلا به إنما هي قطعيات فلا طريق للاجتهاد إليها، أما طريق وجوبها فهو إجماع الصحابة المعلوم وقد مر، وأما ثبوتها حيث تثبت فإنها لا تثبت إلا في منصوص عليه بنص معلوم كما في أمير المؤمنين فإن أدلة إمامته عند الإنصاف مما لا يدخلها تشكيك أو فيمن ادعى كامل الشروط بالقطع لا بالظن، وأما طريق شروطها فكلها مجمع عليها من الصحابة والمسلمين بعدهم وعليها أدلة قطعية وسيأتي بيانها إنشاء الله تعالى، وأما الدعوة فطريق ثبوتها إجماع العترة عليها بعد بطلان قول أهل النص، فبطل أن تكون اجتهادية، وثبت كونها قطعية يقطع بخطأ المخالف فيها.
وأما حكم من تقدم على أمير المؤمنين عليه السلام في الإمامة كأبي بكر وعمر وعثمان، فالذي انعقد عليه إجماع العترة أنهم مخطئون بالتقدم عليه عاصون بذلك، لأن النصوص على إمامة علي عليه السلام قطعية متنا ودلالة كما بينا.قال الدواري: وأكثر العترة لا يفسقهم، ومنهم من يفسق، ومن لم يفسق منهم اختلفوا، فمنهم من توقف وهو قول كثير من الزيدية، ومنهم من رضى وبه قال السيد المؤيد بالله والكني والقاضي جعفر وغيرهم.
قلت: وهو قول أكثر متأخري الزيدية. قالوا: لسابقتهم وثناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وما جاء في القرآن من الأخبار برضى الله عنهم كقوله تعالى{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}(الفتح:18) وعلى الجملة فنحن من إيمانهم على يقين ولا ننتقل عنه إلا بيقين.
قلت: هذا قول لولا أن يقال أن تلبسهم بالمعصية قطعا قد نسخ العلم بإيمانهم في الظاهر وأما الثناء عليهم والإخبار بأنهم من المرضي عنهم فذلك باعتبار ما هم عليه قبل التلبس بالمعصية.
قالوا: معصيتهم محتملة للكبر والصغر فلا نسخ إذ لا تفسيق إلا (بدليل قاطع) .
Página 292