والجواب: أن الدلالة الصحيحة قد دلتنا على وجوب النظر@ عقلا وسمعا ولا يترك ما دلت عليه الدلالة الجلية لأجل أمر محتمل، أما من جهة العقل فالمعلوم قطعا أن شكر المنعم واجب وإن الإخلال به قبيح ، وجهله يستلزم الإخلال بشكره على النعم، لأن توجيه الشكر إلى المنعم مترتب على معرفته ضرورة وهي واجبة لذلك لا لغيره.ولا طريق للمكلفين إليها سواه ، أي النظر لامتناع أن تعرفه بالبديهة وإلا لما اختلف العقلاء فيه،ومعلوم خلافهم، وبالمشاهدة لأنها لو صحت مشاهدته في حال من الأحوال لشاهدناه الآن،ومعلوم أنا لا نشاهده الآن وسيأتي لهذا مزيد إيضاح.وبالأخبار المتواترة لأن الأخبار المتواترة لا تكون طريقا إلى العلم إلا إذا كانت مستندة إلى المشاهدة بدليل أنه لو أخبرتنا طائفة عظيمة بوجود بلد في الدنيا يقال لها بغداد لعلمنا ذلك ، ولو أخبرتنا تلك الطائفة أن الله تعالى يرى بالأبصار لم نعلم صحة خبرها ، ولم يكن فرق إلا أن الأول مستندة إلى المشاهدة التي لا يجوز فيها الالتباس ، والثاني مستندة إلى الاعتقاد الذي يدخله الالتباس . فلما سبرنا هذه الأقسام ولم نجد واحدا منها يصح أن يكون طريقا إلى معرفة الباري ، علمنا أنه لا طريق إليها سوى النظر الذي هو الفكر،إذ لا طريق تعدو هذه الأربع .
وإذا تقرر ذلك علمنا وجوب النظر، لأن من المعلوم : أن ما لا يتم الواجب الذي هو المعرفة مثلا إلا به يكون واجب كوجوبه ، وإلا وقع الإخلال بالواجب ، وقد قضى العقل بقبحه .
Página 18