108

فنقول: قول الأشعرية أن القبيح لا يقبح منه تعالى لكونه غير منهي باطل، لأن العلة في قبح القبيح ليست هي النهي لأنه قد يستقبح الفعل من لا يعلم النهي كالملحدة النافين للصانع فإنهم لا يعلمون الناهي فضلا عن النهي، فلو كان علة قبحه هي النهي عنه لم يعلموا قبحه إذ لا يعلمون النهي. سلمنا لزم من ذلك أن يحسن الحسن للأمر لأن القبح يقابل الحسن والنهي يقابله الأمر فلا يحسن من الله حسن لأنه غير مأمور جل وعلا، وقول بعض المجبرة: أنه لا يقبح منه تعالى قبيح لأنه غير مربوب باطل أيضا، لأن العلة في القبح لو كانت كون الفاعل مربوبا لما علم القبح من لا يعلم الرب كالملحدة النافين للصانع والمعلوم خلاف ذلك، ويلزمهم (في ذلك) أن تكون الأفعال كلها قبيحة لأن نسبة الملك والربوبية إليها نسبة واحدة، فقبح بعضها من دون بعض تخصيص من غير مخصص وهو محال، ثم أنا لو جوزنا أن الله تعالى يفعل نحو الكذب لزم أن لا يوثق بخبره تعالى وذلك تكذيب لله تعالى حيث يقول{لا ريب فيه}(البقرة:02) وقوله تعالى{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}(فصلت:42).

ولنا أيضا دليل الكتاب وهو قوله الدليل على ذلك أي القول بأنه تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح أنه تعالى عالم بقبح القبيح هذا الدليل مبني على أربعة أصول:

الأول: أنه تعالى عالم بقبح القبيح إذ هو عالم بالذات على ما تقدم ومن حق العالم بالذات أن يعلم جميع المعلومات إذ لا اختصاص لذاته بمعلوم دون معلوم والقبائح من جملة المعلومات فيجب أن يكون عالما بها على ما هي عليه.

والثاني: أنه تعالى غني عن فعله لما قدمنا من أنه تعالى غني فلا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلا فيدخل تحت ذلك الحسن والقبيح.

Página 127