ويقال: قريت القرآن، وأصله الهمز بدلالة قولهم في المستقبل أقرأه، فالقرآن نزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، كما قال الله -عز وعلا- : (وقرآنا فرقناه ) ]الاسراء106[ الى آخر الآية، فلما جمع بعضه الى بعض سمي قرآنا (¬3) . وقال أبو عبيدة وغيره: إنما سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمها، قال الله -تعالى- : (إن علينا جمعه وقرآنه ) ]القيامة17[، أي: تأليفه وضم بعضه الى بعض (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) ]القيامة18[، أي: إذا ألفناه وضممناه فخذه واعمل به (¬4) ، وقال -عز وعلا- : (وإذا قرأت ا لقرآن ) ]الاسراء45[)، أي: إذا تلوت /35ظ/ بعضه الى بعض وفي أثر بعض حتى يجتمع وينضم بعضه الى بعض، أي: يصير الى معنى التأليف والجمع والنظم (¬5) ، وأنشدوا لعمرو بن كلثوم التغلبي ذراعي عيطل أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا (¬1)
أي: لم يجمع ولم يضم في رحمها ولدا قط.
... قال القتيبي وغيره: يكون القرآن مصدرا كالقراءة (¬2) ، يقال لك قرأت قراءة حسنة وقرآنا حسنا، قال تعالى: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ]الاسراء 78[ أي: قراءة الفجر (¬3) ، قال الشاعر في عثمان بن عفان -رضي الله عنه- :
ضحوا بأ شمط عنوان السجود به يقطع الليل سبحانا وقرآنا (¬4)
أي تسبيحا وقراءة.
فمعنى القرآن على هذا القول أنه قراءة أخبار ما كان وما يكون، وأصل الباب الجمع، وقولك: قرات معناه جمعت الحروف بعضها الى بعض (¬5) .
وقال قطرب: سمي قرآنا لأن القارئ يظهره ويلقنه من فيه (¬6) ، وقول العرب للناقة: ما قرأت سلى قط، السلى: شيء يخرج مع الولد أي ما رمت بولد (¬7) .
وأنشد: أراها غلاماها الخلا فتشذرت مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما (¬8)
أي: لم ترم بجنين ولا دم.
ومن لم يهمز القرآن -وهو قراءة أهل مكة -فمعناه على وجهين:
أحدهما: أنه من قرأت بمنزلة الوجه الأول في المعنى إلا أنه حذف همزة استخفافا لكثرة الاستعمال كما حذف من النبي والبرية والذرية لهذا المعنى،وهي من: أنبأ وبرأ وذرأ، أو لأن الاسم ثقل باجتماع أحرف ثقيلة فيه: القاف وهي حرف صلب قوي مانع، والراء وهي حرف تكرير ، والهمزة وهي أثقل الحروف لخفائها وبعد مخرجها، فخففت بحذف الهمزة منه لأنها كالتهوع من صاحبها.
Página 163