لنسبته خارج تطابقه، أو لا تطابقه. أو لا يكون لها خارج ١،
_________
١ تفصيل ذلك أن الكلام لا محالة يشتمل على نسبة تامة بين الطرفين قائمة بنفس المتكلم، وهي تعلق أحد الشيئين -أي الطرفين: المسند أو المسند إليه- بالآخر، بحيث يصح السكوت على التعلق، سواء كان ذلك التعلق إيجابيًّا أو سلبيًّا "وهذا لا يكون إلا في الخبر، بخلاف الإنشاء فلا يتصف بإيجاب ولا بسلب؛ لأنهما من أنواع الحكم، والإنشاء ليس بحكم، بل هو إيجاد معنى بلفظ يقارنه في الوجود" أو غيرهما كما في الإنشائيات.
والمراد بالتعلق ما يشمل النسبة الحكمية -أعني ثبوت المحمول للموضوع- وما يشمل النسبة الإنشائية. والمراد بالإيجاب إدراك الثبوت، أي أنه مطابق للواقع أو غير مطابق، وبالسلب عكسه فهو إدراك الانتقاء أي أنه مطابق للواقع أو غير مطابق، وتفسير النسبة بإيقاع المحكوم به على المحكوم عليه أو سلبه عنه خطأ في هذا المقام؛ لأنه لا يشمل النسبة في الكلام الإنشائي، فلا يصح التقسيم.
والتحقيق أن الإنشاء له نسبة كلامية ونسبة خارجية تارة يتطابقان وتارة لا. والفارق بين الخبر والإنشاء هو قصد المطابقة أو قصد عدمها في الخبر. والإنشاء ليس فيه قصد للمطابقة ولا لعدمها، وعبد الحكيم وغيره يقولون: الإنشاء لا خارج له إذ لو كان له خارج لكان خبرا يتصور فيه الصدق والكذب اللذان هما من لوازم الخارجية، واللازم باطل فبطل الملزوم.
هذا والخبر له ثلاث نسب: نسبة ذهنية. ونسبة كلامية، ونسبة خارجية في أحد الأزمة الثلاثة. فبين طرفيه -اللذين هما النسبة الكلامية- في الخارج والواقع نسبة ثبوتية أو سلبية بحيث يقصد مطابقة تلك النسبة لذلك الخارج بأن تكونا ثبوتيتين أو سلبيتين أو لا يقصد مطابقتهما له، بأن تكون النسبة المفهومة من الكلام ثبوتية والتي بينهما في الخارج والواقع سلبية أو بالعكس، وأما الإنشاء فله نسبة ذهنية ونسبة كلامية، والخلاف هل له نسبة خارجية أو لا؟.
قيل ليس له نسبة خارجية وهذا هو الفرق بينه وبين الخبر وقيل له نسبة خارجية، والفرق بينهما أن الخبر يقصد فيه مطابقة النسبة للخارج أو عدم مطابقتها له، والإنشاء لا يقصد فيه ذلك.
والخلاصة: أن الكلام إما أن تكون نسبته بحيث تحصل من اللفظ ويكون اللفظ موجدا لها من غير قصد إلى كونه دالا على نسبة حاصلة في الواقع بين الشيئين وهو الإنشاء، أو تكون له نسبة بحيث يقصد أن لها نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه وهو الخبر؛ لأن النسبة المفهومة من الكلام الحاصلة في الذهن لا بد أن تكون بين الشيئين. ومع قطع النظر عن الذهن لا بد أن يكون بين هذين الشيئين في الواقع نسبة ثبوتية بأن يكون هذا ذاك، أو سلبية بأن لا يكون هذا ذاك: ألا ترى أنك إذا قلت زيد قائم فإن القيام حاصل لزيد قطعًا. وثبوت النسبة في الواقع بين الشيئين المذكورين مع قطع النظر عن الذهن هو معنى وجود النسبة الخارجية فمعنى وجودها تحققها في الواقع.
1 / 56