Clarificación de la expresión sobre el significado de la Madre del Corán

Najm Din Tufi d. 716 AH

Clarificación de la expresión sobre el significado de la Madre del Corán

إيضاح البيان عن معنى أم القرآن

Géneros

Exégesis

[أم القرآن للطوفي]

إيضاح البيان عن معنى أم القرآن

سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي

( 716 ه ) رحمه الله تعالى

اعتنى به : ابن سالم غفر الله له ولوالديه وأهله وجميع المسلمين

الحمد لله بجميع محامده كلها ، ما علمنا منها وما لم نعلم ، على نعمه كلها ، ما علمناوما لم نعلم ، على خلقه كلهم ما علمنا منهم وما لم نعلم ، ولقد كان فضل الله علينا عظيما .

هذه رسالة نترجمها ?( إيضاح البيان عن معنى أم القرآن ) (1) ونتبعه فوائد أخر .

والكلام على ذلك في فصول :

الفصل الأول

بيان حقيقة لفظ (الأم) و(القرآن)

1 [ لفظ (الأم) ]

o أما لفظ (الأم) : فيقال : هي أصل الشيء ، فمنه :

- أم الإنسان ؛ لأنها : أصله الذي خرج منه .

- ومكة أم القرى ؛ لأنها أصل القرى ؛ لما ذكر من أنها دحيت من تحتها .

فيقال : إن الأرض كانت رابية حيث هي مكة ، ثم بسطت من هناك قال الله تبارك وتعالى : { والأرض بعد y7د9 ̈sŒ !$yg8xmyٹ (30) } (2) .

وقال تبارك وتعالى : { والأرض $yg"uZô©uچsù } (3) .

وقال تبارك وتعالى : { والله جعل لكم الأرض بساطا (19) } وأشباه ذلك .

- ويقال : للأرض أم البشر ؛ لأنها أصله ، ومنها خلق . ومنها قوله تبارك وتعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتا (17) } (4) ، وقوله : { إذ قال y7ڑ/u' للملائكة 'دoTخ) 7,د="yz #[ژ|3o0 من طين (71) } (5) وفي شعر بني أمية :

Página 1

والأرض منشأنا وكانت أمنا منها حقيقتنا ، وفيها نولد

- وكذا : قوله تبارك وتعالى : { 1⁄4çm-Bé'sù هاوية } (1) أي :

1 : يلازم الهاوية ملازمة الطفل أمه التي هي أصله .

2 : وقيل : هذا من قولهم : هوت أمه . دعاء عليه .

3 : ولعل أصله : أن ينتكس على أم رأسه .

- ويقول النحاة : (إن الشرطية) هي أم الباب ، و(إلا) أم الباب في الاستثناء . يعنون بذلك : أصله الذي هو أكثر دورانا .

- وكذلك : روميه أم الروم ، أي : أصل بلادها التي ترجع إليها وتعتمد عليها .

- ومنها : قوله تبارك وتعالى : { وإنه في أم الكتاب } (2) ، وقوله تبارك وتعالى : { وعنده أم الكتاب } (3) يعني : أصله الذي نقل منه ، وهو : اللوح المحفوظ .

?(أم الكتاب) يستعمل بمعنيين :

أحدهما : هذا - لما ذكر - .

والثاني : الفاتحة لما نذكر - إن شاء الله عز وجل - من أنها متضمنة لكليات القرآن إجمالا .

2 [ لفظ (القرآن) ]

وأما (القرآن) فالمراد به : الكلام الإلهي الجامع النازل على محمد صلى الله عليه وسلم .

مشتق من : (القرء) ؛ وهو : الجمع ؛ لجمعه ما ذكرنا .

ومادة (قرأ) إلى هذا ترجع .

الفصل الثاني

[ أضرب الكلام (الإجمال والبيان) وأسبابه وأمثلته]

1 [ أضرب الكلام ] :

اعلم أن الكلام - من حيث هو - على ضربين :

الضرب الأول : مجمل .

الضرب الثاني : ومبين مفصل .

والضربان متفاوتان في المراتب :

Página 2

فبعض المجمل أشد إجمالا من بعض ، وبعض المبين أشد بيانا من بعض ؛ حتى : ينتهي (المجمل) إلى غاية الإجمال . و(المبين) إلى غاية البيان .

2 [ أسباب (الإجمال) و(البيان) ] :

o وسبب الإجمال :

- تارة : قصور المتكلم عن البيان .

- وتارة : قوة إدراك السامع بحيث يفهم بأدنى إشارة ، فيتكل المتكلم على ذلك ، فيقتصر على الإجمال .

- وتارة الأمران : قصور المتكلم وقوة السامع ، فلا يبالي المتكلم [ إن ] كان قاصرا عن البيان أو قادرا عليه .

- وتارة : تعلق المصلحة بالإجمال من : إخفاء سر ، أو : امتحان سامع بإدراك معنى خفي ... وغير ذلك من الأسباب .

o وسبب البيان :

- تارة : فصاحة المتكلم وبلاغته .

- وتارة : ضعف فهم السامع ، فيحرص المتكلم على إفهامه .

- وتارة : الأمران جميعا .

- وتارة : اهتمام المتكلم بمعنى الكلام ؛ فيحرص على إظهاره في بعض مراتب البيان ... وغير ذلك من الأسباب .

3 [ أمثلة تفاوت مراتب البيان ] :

ومن أمثلة تفاوت مراتب البيان :

o [ المثال الأول ] : قوله - عز وجل - : { وإذ قال موسى لقومه إن الله ôMن.قگكDù'tƒ أن تذبحوا Zouچs)t/ ' } إلى آخر الآيات .

فإنه عز وجل :

1 : أمرهم أولا بذبح بقرة ، وهو مسمى مطلق في غاية الإجمال .

2 : ثم : بين لهم أنها { لا فارض ولا بكر عوان بين y7د9 ̈sŒ } .

3 : ثم : بين لهم أنها ? âن!#uچي|1 فاقع لونها تسر ڑïحچدà" ̈Z9$# ? .

Página 3

4 : ثم : بين أنها ? لا ذلول مژچدVè? الأرض ولا تسقي y^چutù:$# مسلمة لا شية فيها ? فكان ذلك غاية البيان لهم ، فحينئذ قالوا : ? الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ? (1) .

o [ المثال الثاني ] : ومن أمثلة ذلك أن الله عز وجل بين (مواقيت الصلاة) في كتابه بقوله عز وجل :

1 : { فسبحان الله حين تمسون tûüدmur تصبحون (17) } الآية (2) .

2 : ثم بقوله عز وجل : { وسبح د‰÷Kut؟2 ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه uچ"t/ôٹخ)ur النجوم (49) } (3) .

3 : ثم بقوله عز وجل : { وسبح د‰ôJut؟2 ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } (4) . { ... وقبل غروبها } الآيتين .

4 : وبقوله عز وجل : { أقم الصلاة د8qن9à$د! الشمس إلى غسق الليل } الآيات (5) .

وهي متفاوتة في البيان على ترتيبها الذي ذكرناه .

Página 4

5 : ثم جاءت (السنة) في رتبة ثانية من البيان ، كحديث : ابن عباس (1) وجابر(2) وبريدة (3) - رضي الله عنهم - وغير هذا .

6 : ثم جاء (كلام الفقهاء) في رتبة ثالثة من البيان ، فهي في غايته .

ثم إن كتب الفقهاء متفاوتة في البيان ، فبعضها أبين في ذلك من بعض ، ولكن جملتها بلغت غاية البيان .

o [ المثال الثالث ] :

ومن أمثلة ذلك قول الله عز وجل : { * لقد كان في يوسف وإخوته آيات tû,ح#ح¬!$،،=دj9 ? (1) في سياق السورة (2) .

وكذلك قصص جماعة من الأمم مع أنبيائها : أجملها الله عز وجل في مكان ?(سورة الذاريات) وبينها في مكان آخر?(سورة الأعراف والشعراء وهود) (3) . وبعضها أبين من بعض بيانا مطلقا ، أو من وجه . ولهذا : يستفاد ذلك من بعض السور ما لا يستفاد من بعض .

Página 6

ثم استقصى القصاص بيان ذلك ؛ مثل : وهب (1) ، والكسائي (2) ، والثعلبي (3) . وأجودها كتاب وثيمة بن موسى بن الفرات ، وأبلغ من ذلك بيانا : معاينة قصصهم لمن عاينها عند وقوعها .

وإذا نظرت في كتابنا المسمى ?(الرياض النواظر في الأشباه والنظائر) لاحت لك بارقة كبيرة من البيان ومراتبه - إن شاء الله عز وجل .

الفصل الثالث

[ مراتب القرآن ]

إذا عرفت ما قدمناه من مراتب ؛ فاعلم :

أن (القرآن) في مراتب بيانه على ذلك :

1 : ?(الفاتحة) التي هي (أم القرآن) مشتملة على مقاصده الكلية من حيث الإجمال ، ثم باقي القرآن يبين ذلك في رتبة ثانية من البيان .

2 : ثم السنة بينته في رتبة ثالثة من البيان ؛ لأنها بيان القرآن ؛ لقوله تبارك وتعالى : { $uZ9u"Rr&ur إليك uچ2دe

!$# لتبين للناس ما tAحh"çR Nخkژs9خ) } (4) .

Página 7

3 : ثم (العيان) في الدنيا والآخرة بينه في رتبة رابعة ، وهي غاية البيان ، إذ لا أبين من العيان ، وإليه الإشارة بقوله تبارك وتعالى : { هل ينظرون إلا تأويله ? (1) . { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ? (2) . ?#y‰t/ur لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } (3) . 3⁄4دnة‹"yd { مL©èygy_ التي كنتم توعدون } (4) . { أليس هذا بالحق ؟ قالوا : بلى $sYخn/u'ur ? (5) الآيات ونحوها.

ولنشرح ذلك على وجه يظهر ، وذلك من وجوه :

o الوجه الأول :

Página 8

أن القرآن مشتمل على مقاصد الإيمان ؛ وهي : التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، كما ثبت ذلك في حديث جبريل في الحديث الصحيح (6) .

وهذا هو مقصود القرآن بالذات ، ولذلك سمى (إيمانا) في قوله عز وجل : { ومن يكفر بالإيمان فقد xفخ6xm عمله } يعني : بالقرآن - فيما قاله بعضهم - .

وهذه المقاصد كلها مشار إليها في الفاتحة :

1 أما الإيمان بالله : ففي قوله عز وجل : { الحمد لله رب العالمين } (1) فإن إيجاب الحمد لله عز وجل يقتضي أنه موجود مستحق له .

2 وأما الإيمان بالملائكة : فهو في ضمن قوله عز وجل ? رب العالمين ? إذ (العالمون) من سوى الله عز وجل ؛ ومنهم : الملائكة .

وأيضا في ضمن قوله عز وجل : { xق ̈uژإہ الذين أنعمت عليهم } (2) ومن جملة المنعم عليهم ذوي الصراط المستقيم : الملائكة ؛ لقوله عز وجل في صفتهم : { لا يعصون الله ما NèduچtBr& ويفعلون ما tbrقگsD÷sمƒ } (3) وهذا هو مقصود الصراط المستقيم .

3 وأما الإيمان بالكتب : فقد تضمنه قوله عز وجل { اهدنا xق ̈uژإ_ا9$# zO‹ة)tG،كJ9$# } وهو القرآن - في أحد الأقوال - ، وهي متلازمة : فالقرآن مراد على تجميعها قصدا أو التزاما ، وسؤال الهداية يستلزم الإيمان به ، إذ لا يؤمن بشي لا يسأل الهداية إليه ، والإيمان به يستلزم الإيمان بجميع كتب الله عز وجل ؛ لأنه موافق مصدق لها آمر بالإيمان بها .

Página 9

4 وأما الإيمان بالرسل : فقد تضمنه قوله عز وجل : { رب العالمين } إذ هم صفوة العالمين ، وأبين منه قوله عز وجل : { xق ̈uژإہ الذين أنعمت عليهم } لأن الرسل صفوة المنعم عليهم . وقد بين الله عز وجل ذلك في قوله عز وجل : { أولئك الذين أنعم الله Nخkژn=tم من النبيين } الآية (1) . فبدأ بهم : { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } (2) . { رب ûسة_ôمخ-÷rr& أن uچن3ô©r& نعمتك التي أنعمت علي وعلى "t$د! ̈ur } (3) . { yگOدFمƒur نعمته عليك } (4) الآيات ونحوها .

5 وأما الإيمان باليوم الآخر : ففي قوله عز وجل : { إ7د="tB يوم الدين } يعني : يوم الحساب والجزاء ، وحين (يدان الناس بأعمالهم ) ؛ أي : يجزون .

6 وأما الإيمان بالقدر : ففي قوله عز وجل : { x8$§ƒخ) نعبد x8$§ƒخ)ur نستعين اهدنا xق ̈uژإ_ا9$# } إذ فيه بيان أن :

1 : الإعانة على عبادته منه .

2 : والاستعانة به والهداية إليه .

وإلى الأول الإشارة بقوله عز وجل : { 1⁄4çnمژإc£uٹمY|،sù 3"uژô£م‹ù=د9 } (5) . { والله خلقكم وما تعملون } (6) ونحوها من الآيات المثبتة للقدر .

Página 10

فأما ما في القرآن من القصص وأخبار الأولين والآخرين : فهو خارج مخرج التكملة للمقاصد المذكورة ، وربما تضمنه قوله عز وجل : { xق ̈uژإہ الذين أنعمت عليهم } إلى آخر السورة ؛ لأن المخبر عنهم في القرآن لا يخرجون عن أن يكونوا : منعما عليهم ، أو مغضوبا عليهم ، أو مهتدين ، أو ضالين، فهذا وجه .

o والوجه الثاني :

أن القرآن مشتمل على : الوعد والوعيد ، والحلال والحرام ، وغيرهما من الأحكام ، والقصص والأخبار :

أما الوعد : ففي ضمن قوله عز وجل : { الرحمن الرحيم } وقوله عز وجل : { xق ̈uژإہ الذين أنعمت عليهم } والوعد فيه ظاهر ؛ لاشتماله على صفتي الرحمة والإنعام .

وأما الوعيد : ففي قوله عز وجل : { إ7د="tB يوم الدين } إذ فيه إشارة إلى أنه عز وجل : مالك يوم الحساب والجزاء ، فيجازي كلا بفعله : { يوم لا à7د=ôJs? نفس لنفس $Z"‹x© والأمر يومئذ لله (19) } وأيضا قوله عز وجل : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } لأن صفتي الغضب والضلال تقتضيان ترتب الوعيد عليهما .

وأما الحلال والحرام ونحوهما من الأحكام : ففي قوله عز وجل : { إ7د="tB يوم الدين } إذ المراد ?(الدين) الجزاء المستلزم للتكليف بأحكام الأفعال المجازى عليه من إيجاب وحظر وكراهة وندب .

وكذا قوله عز وجل : { x8$§ƒخ) نعبد } فصرح بلفظ (التعبد) الذي هو من التكليف الموجب لوجود الأحكام على المكلفين .

Página 11

وأما القصص والأخبار : ففي قوله عز وجل : { xق ̈uژإہ الذين أنعمت عليهم } إلى آخر السورة . ويقرره ما مر في الوجه قبله من أن المخبر عنهم : إما منعم عليه ، أو مغضوب عليه ، أو مهتد ، أو ضال .

وما كان من الأخبار المعاد ، ففي قوله عز وجل : { إ7د="tB يوم الدين } وهي مذكورة في كتاب (العاقبة) وكتاب (البعث والنشور) وغيرها من كتب السنة .

? الوجه الثالث : أن القرآن لا يخرج عن أن يكون ثناء على الله عز وجل ، أو عبادة له سبحانه وتعالى . والفاتحة : أولها ثناء ، وآخرها عبادة - أعني : دعاء إليها - . والعبادة :

تارة : تكون بدعاء نحو (اهدنا) وهو مخ العبادة - كما صح به الحديث - (1) ، ودل عليه قوله عز وجل : { وقال ربكم : 'دTqممôٹ$# =إftGTMr& لكم ، إن الذين tbrمژة93tG،o" عن 'دAyٹ$t6دم } الآية (2) .

وتارة : بغير الدعاء نحو : { x8$§ƒخ) نعبد x8$§ƒخ)ur نستعين } .

فهذه ثلاث أوجه في بيان اشتمال الفاتحة على مقاصد القرآن من حيث الإجمال ، وربما أمكن استخراج غيرها عند إمعان النظر ، لكني لم أستقصه وإنما أوردت ما ظهر.

خاتمة

تسمى هذه السورة ب :

1 ( الحمد ) تسمية لها بأول لفظ منها .

Página 12

2 و( الفاتحة ) لافتتاح القرآن بها .

3 و( أم القرآن ) و( أم الكتاب ) لما ذكرنا .

Página 13

4 و( السبع المثاني والقرآن العظيم ) بالكتاب ونص السنة في حديث أبي بن كعب (1) .

وسميت ( مثاني ) : لأنها تثنى في الصلاة : أي يتكرر ذكرها .

وقيل : لأنها نزلت مرتين بمكة والمدينة .

5 وتسمى ( الواقية ) و( الشافية ) : لأنها تقي وتشفي من اتقى واستشفى بها .

6 و( الرقية ) لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد رضي الله عنه لما رقى بها اللديغ : " وما أدراك أنهارقية " (1) .

ولعل لها أسماء غير ما ذكرنا ، والذي استحضرناه الآن هو هذا ، والله عز وجل أعلم بالصواب .

فصل

وردت السنة بأن :

قراءة ? إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) ? تعدل نصف القرآن (2).

وقراءة ? قل هو الله أحد (1) ? تعدل ثلث القرآن (3) .

Página 14

وقراءة ? قل يا أيها الكافرون (1) ? تعدل ربع القرآن (1).

وهذا يشبه كلامنا المذكور على الفاتحة ، والكلام عليه في فصول :

o الفصل الأول : أنه لا يمتنع ترتب الأجر الكثير على العمل اليسير لأسباب :

1 : منها : نفاسة العمل في نفسه ؛ كالكتابة المحررة الجيدة التي يساوي السطر منها دينارا ، كما يحكى عن بعض الكتاب أنه كان إذا سئل الصدقة كتب للسائل سطرا فيبيعه بدينار .

2 : منها : عظم مصلحة العمل ، كحركة هندسية يصلح بها قرص ببناء عظيم ، أو يجري بها ماء إلى أرض ، أو سقف بها اعوجاج في أمر ونحو ذلك .

3 : منها : كرم من له العمل ، مثل أن يسقط سوط الملك من يده فيناوله إياه بعض العامة ، فيعطيه على ذلك مالا جزيلا .

ويروى عن الشافعي لغلامه : ( أعطه ما معك من النفقة ) فكان خمسين دينارا ، وقال : ( لو كان معنا غيرها لأعطيناه ) وذلك لكرمه وسعة مروءته رضي الله عنه . وقد يتجه غير ذلك من الأسباب .

Página 15

وإذا عرف ذلك : فلا يبعد أن يعطي الله عز وجل قارئ سورة (الزلزلة) أجر قاريء نصف القرآن ببعض هذه الأسباب ؛ خصوصا وقد ثبت بالسنة الصحيحة أن بعض القرآن أعظم وأفضل من بعض ، كما ثبت أن الفاتحة أعظم السور ، وآية الكرسي أعظم الآيات . فقد تختص هذه السورة بخصائص - يعلمها الشرع - تقتضي أن يرتب على قراءتها من الأجر على ذلك .

كما اختص بعض الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال بخواص اختصت لأجلها بما ليس لغيرها من جنسها ، وذلك كأشخاص الأنبياء والأولياء ظهر على أيديهم من المعجزات والخوارق ما لم يظهر على أيدي غيرهم من الأشخاص ، وكما اختص رمضان والأشهر الحرم ويوم الجمعة وليلة القدر ويوم عرفة وعاشوراء ونحوها من الأزمنة بخصائصها المشهورة شرعا .

وكما اختص المسجد الحرام بأن صلاة الفرض فيه أفضل منها في غيره وبسائر خصائصه .

واختص المساجد الثلاثة بشد الرحال إليها ، وتضاعف الصلاة فيها على غيرها ، ونحو ذلك .

Página 16

وكما اختصت حال الجهاد بتضاعف أجر الصوم فيها ؛ كما جاء في الحديث : " من صام يوما في سبيل الله باعده الله عن النار سبعين خريفا " (1) .

o الفصل الثاني : [ تكرارها ] :

ينبغي لمن تلا هذه السور الثلاث منفردة ، أو في جملة القرآن ، بادئا من أوله أو من آخره في غير الصلاة : أن يكرر سورة (الزلزلة) مرتين ، وسورة (الإخلاص) وسورة (الكافرون) : أربعا ؛ ليستكمل بذلك ثلاث ختمات .

أما في الصلاة : ففي تكرار السورة خلاف مشهور ، وتفصيل بين الفرض والنفل .

وينبغي لمن كرر هذه السور : أن يكرر البسملة في أول كل سورة بعدد [ مرات ] قراءتها ، لاحتمال كونها آية من كل سورة .

o الفصل الثالث : في ذكر ما ظهر لي من مناسبة اختصاص هذه السور بما ذكر :

? أما توجيه أن (الزلزلة) تعدل نصف القرآن : فلأن القرآن لا يخرج عن تقرير أمر معاش الناس ومعادهم .

Página 17

وهذه السورة اختصت بذكر أمر المعاد من : زلزلة الأرض عند قيام الساعة ، وإخراج أثقالها - وهم الموتى - إشارة إلى البعث . وتحديث أخبارها ، وصدور الناس عنها أشتاتا ؛ كأنهم جراد منتشر ، ورؤية كل عامل ما عمل من خير أو شر .

فلم تتضمن شيئا غير ذكر المعاد ، فلما اختصت بجنس نصف مضمون القرآن ؛ جاز أن يقال : أنها تعدل نصف القرآن ، وصار هذا كما قيل : ( إن الفرائض نصف العلم ) (1) كما كان للإنسان حالتي حياة وموت . وعلم الفرائض هو العلم المتعلق بإحدى حالتيه وهو الموت ، سمي نصف العلم .

? وأما توجيه ? قل هو الله أحد (1) ? أنها تعدل ثلث القرآن : فلأن القرآن باعتبار قسمة أخرى ؛ لا يخرج عن تقرير : التوحيد ، والنبوة ، وأحكام اليوم الآخر . وهذه السورة اختصت بتقرير التوحيد وذكره ، لم يذكر فيها غيره ، فكانت بهذا الاعتبار تعدل ثلث القرآن ؛ لاشتمالها على ثلث مضمونه ؛ وهو التوحيد .

Página 18

وهذه القسمة لا تخالف ما ذكرناه من تضمن القرآن : بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ؛ لأن تقرير النبوة يتضمن إثبات الملائكة والكتب والرسل ؛ لاستلزام النبوة : نبيا يتلقى الوحي عن الله عز وجل بواسطة الملك .

? وأما توجيه أن ? قل يا أيها الكافرون (1) ? تعدل ربع القرآن : فلأن الخطاب في القرآن ؛ إما : للمؤمنين أو للكفار .

o والمؤمنين ضربان :

أحدهما : مؤمن بالكتاب الأول ؛ فخوطبوا بالإيمان بالكتاب الثاني ؛ وهو القرآن ؛ كقوله عز وجل : ? يا$pkڑ‰r' ̄"tƒ الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ? (1) . يعني : يا أيها الذين آمنوا بالكتاب الأول آمنوا بمحمد والقرآن .

الضرب الثاني : مؤمن بالكتاب الأول والآخر ، وهم هذه الأمة ، خوطبوا بتكميل الإيمان من فعل العبادات ونحوها من الفروع نحو : { يا أيها الذين (#ûqمZtB#uن إذا نودي دo4qn=¢ء=د9 من يوم الجمعة فاسعوا } (2) ، { إذا تداينتم بدين إلى 5@y_r& 'wK|،-B فاكتبوه } (3) وأشباه ذلك .

o والكفار أيضا ضربان :

الضرب الأول : من يخاطب بالدعاء إلى الإيمان نحو : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } (4) { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } (5) ونحو ذلك .

Página 19

الضرب الثاني : من يخاطب بالتبرؤ مما هو عليه نحو : { قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون } (1) إلى آخرها . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم بأنه متبرئ منهم ومما يعبدون . فكانت هذه السورة ربع القرآن بهذا الاعتبار .

خاتمة

قولنا : هذه السورة تعدل نصف القرآن أو ثلثه أو ربعه ؛ يحتمل :

1 أنها تعدله في أجر قراءته .

2 ويحتمل : أنها تعدله في اقتسام مضمونه .

وقد أشرنا إلى الاحتمالين جميعا ، والله عز وجل أعلم بالصواب .

فصل

وردت السنة :

بتأكيد أمر القلاقل ؛ وهي : سورة الكافرون والإخلاص والفلق والناس .

وتأكيد أمر المعوذات ؛ وهي : الثلاث الأخر .

وقد تكلمنا على الأولين ؛ فلنتكلم على الأخريين :

وإنما سميت هذه ب(المعوذات) - بكسر الواو - لأنه عز وجل أنزلها معوذات لنبيه صلى الله عليه وسلم - حين سحره لبيد بن الأعصم اليهودي - وليعوذ بهما أمته . وإن كان لسورة الإخلاص سبب آخر .

والكلام في نكت :

o إحداهن : [ الصفات ] :

لما كانت الصفات تابعة للذات ، كان اسم الذات مقدما على الصفات ، وسورة الإخلاص مشتملة على اسم الذات ، فلذلك قد قدمت في التعوذ على سورة الفلق والناس لاشتمالهما على أسماء الصفات نحو : (رب الفلق) و(رب الناس) و(ملك الناس) .

o الثانية : [ تفسير سورة الفلق ] :

Página 20

قوله تعالى : ? قل أعوذ ? معنى (أعوذ) : ألجأ وألوذ .

قوله تعالى : ? برب الفلق ? يعني : فلق الصبح ، من قوله عز وجل ? فالق الإصباح ? ، وقول عائشة رضي الله عنها : ( كان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا ؛ إلا جاءت مثل فلق الصبح ) . وأضاف نفسه عز وجل إلى الفلق ؛ لأنه من أعظم الآيات ، ولذلك أقسم به في قوله عز وجل : { والصبح إذا تنفس } (1) . ويقال : فلق الصبح وفرق الصبح ، وقد قال عز وجل : { فانفلق فكان كل فرق } (2) فأتى بمادة (فلق) و(فرق) فهما بمعنى .

قوله تعالى : ? من شر ما خلق ? هذا عام يتناول كل ما سوى الله عز وجل ، لأنه خلقه .

قوله تعالى : ? ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد ? هو من باب عطف الخاص على العام ؛ لأن (الغاسق) و(النفاثات) و(الحاسد) من جملة ما خلق الله عز وجل . وإنما اختصت هذه بالذكر بعد العموم ؛ لأن متعلقاتها مهمة جدا ، وذلك لأن قوام الإنسان بدنه وعقله ودينه وباقي نعم الله عز وجل عليه .

و(الغاسق إذا وقب) :

1 قيل : هو الثعبان إذا وثب وضرب ، وهو يفسد البدن .

Página 21