184

Idah

الإيضاح (ج1) لعامر الشماخي

وفي هذا الحديث دليل على أنه لا يجزيه إلا غسل جميع بدنه، وفيه دليل على أن المسح يسمى غسلا، وفيه أيضا دليل على أن الماء المستعمل ما لم يباين الجسد جاز استعماله فيما فات غسله من الجسد، والماء الذي يجزئ في غسل الجنابة هو الماء الذي يجزئ في الوضوء وقد شرحناه في بابه بما فيه الكفاية. وأما أقل ما يجزئ منه فقد ذكر في بعض الكتب، قال بعض العلماء: لا يجزئ في الوضوء أقل من المد، ولا في الغسل أقل من الصاع، واحتجوا بما روي ( أنه عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد )متفق عليه، واختلفوا في مقدار المد والصاع، قال بعضهم: الصاع ثمانية أرطال، والمد رطلان، ولعلهم ذهبوا إلى ما روي أنه عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها أخذت عسا([24]) يحتزر قدر ثمانية أرطال فقالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا ) ([25]) فتوهموا أن الصاع ثمانية أرطال، وقال آخرون: إن الصاع خمسة أرطال وثلث، والمد رطل وثلث، وهو قول أهل الحجاز وهو الصحيح عندي والله أعلم.

وقال آخرون: إن عم جسده بالغسل فقد عمل بما أمر به ولو بأقل من المد والصاع في الوضوء ودليلهم ما روي من طريق عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( اغتسلت أنا والنبي عليه الصلاة والسلام بصاع ونصف يقول أبقي لي، وأقول أبقي لي ) ([26]). وهذا الحديث يدل أن الصاع والمد ليسا بحتم في الغسل والوضوء لأن المغتسلين من إناء واحد لابد أن يفضل أحدهما الآخر بشيء، ولأن المسح يسمى غسلا لما روي ( أنه اغتسل من جنابة فرأى في بدنه لمعة لم يصبها الماء، فحصر جمته([27])، ثم مسحها بما قطر منها ) فهذا يدل على أن الماسح يسمى غاسلا، ولذلك قال بعضهم: إذا دهن جسده بالماء وقطر إلى الأرض ثلاث قطرات أجزأه، وقيل ولو قطرة واحدة أجزأه في الغسل والله أعلم.

مسألة:

Página 185