Confesiones de un joven de la época
اعترافات فتى العصر
Géneros
ما طرحت أول سؤال على مركانسون حتى بدت عليه من دلائل الدهشة على ما بدا على خادمي لاريف، وما كنت أنا أقل اندهاشا منهما مما أفعل، ولكن من من الناس يدرك ما في أغوار نفسه؟
وعرفت من أول جواب أورده مركانسون أنه نفذ إلى قصدي وقرر ألا يرضيني؛ إذ قال: أنت تعرف مدام بيارسون منذ زمن طويل، وتزورها بلا كلفة، فكيف لم تصادف المسيو دالانس عندها؟ ولعل لديك الآن أسبابا أجهلها تدفع بك إلى الاستعلام عنه. أما أنا فكل ما بوسعي أن أقول عن هذا الرجل هو أنه كريم المحتد، ومن أهل الصلاح والبر، وقد كان مثلك يا سيدي يزور مدام بيارسون بلا كلفة، وهو صاحب أملاك واسعة، ومضياف في بيته، وكان مثلك يعزف أجمل القطع الموسيقية عندها، وما أعلم أنه قصر في شيء من واجباته في سبيل الإحسان، فقد كان أثناء وجوده في هذه البلاد يرافق مدام بيارسون في رحلاتها كما ترافقها أنت يا سيدي.
ولأسرة هذا السيد سمعة طيبة في باريس، وكنت كل مرة أزور فيها مدام بيارسون أصادفه عندها، والمعروف عنه أنه حسن السيرة والأخلاق. وما أعني بالصداقة التي ذكرتها إلا الصداقة الشريفة اللائقة بأمثال هذا الرجل، وأظن أنه لا يأتي إلى هذه الأرجاء إلا للصيد، وقد كان صديقا لزوج الأرملة، ويقال: إن دالانس ذو ثروة كبيرة، وإنه جد كريم، أما أنا فأكاد لا أعرفه إلا بما سمعت عنه ...
بمثل هذه العبارات المشوشة كان هذا الجلاد الثقيل يجهز علي، ونظرت إليه وهو يتكلم وقد استولى الخجل علي فما قدرت أن أوجه إليه أي سؤال، كما عجزت عن وضع حد لثرثرته، فذهب في أقواله - وقد أوردت مثالا منها - إلى أبعد حد من النميمة والاغتياب، دافعا بنصله المتعرج إلى قلبي حتى اخترقه إلى أقصاه، ثم تولى عني، فما تمكنت من إمساكه، فذهب وكأنه لم يقل لي شيئا.
وبقيت وحدي على طريق المتنزه أرقب الظلام ينسدل على تلك الأرجاء وأنا أتردد بين عاطفتي الغضب والأسى؛ إذ لم يكن بوسعي أن أعتقد بضلال هذه الثقة العمياء التي استسلمت لها في حبي لبريجيت، فذقت منها مثل هذه اللذة الصافية، وكنت أرى في اندفاعي نحو هذه المحبوبة اندفاعا شلت مقاومتي أمامه دليلا كافيا على أنها أهل لتعلقي بها؛ لذلك كان يصعب علي التصديق بأن هذه الأشهر الأربعة الطافحة بالسعادة لم تكن إلا أحلاما.
وتساءلت فجأة في سريرتي عما إذا كانت هذه المرأة مخلصة عندما ظهرت في مظهر المتمنع، في حين أنها استسلمت بعد ذلك بسرعة، وقد كفت كلمة واحدة لتبديد مقاومتها، ولاح لي أن من شغلتني لم تكن إلا واحدة من بنات الدلال المغريات، أو أن الدلال وسيلة كل امرأة تريد أن تتبع غريزة الدفاع أسوة بكل أنثى.
أفما باحت بريجيت بغرامها من تلقاء نفسها في حين اعتقدت أنها أفلتت إلى الأبد من يدي؟
أفما رضيت في أول يوم عرفتها فيه أن تستند إلى ذراعي قبل أن تعرف من أنا بشيء من الخفة كان علي أن أتنبه له لإثارة ريبتي؟
إذا كان هذا المدعو دالانس قد توصل إلى امتلاكها، فالأرجح أنه لم يزل يتمتع بها حتى الآن، فإن من هذه العلاقات ما لا بداية لها ولا انتهاء في المجتمع، فإذا ما التقى عاشقان قديمان استسلما لما تعوداه، وإذا افترقا نسي أحدهما الآخر.
إذا كان هذا الرجل يأتي إلى هذه الأرجاء في كل موسم صيف؛ فإنها ستجتمع به عند قدومه، وقد لا تقطع علاقتها بي.
Página desconocida