Confesiones de un joven de la época

Filiks Faris d. 1358 AH
152

Confesiones de un joven de la época

اعترافات فتى العصر

Géneros

إذا كان وجب على الإنسان أن يعاقب على حياته؛ فإن السماء ولا ريب خالية خاوية، أفما يكفي الإنسان شقاء أن يقضى عليه بالحياة؟» ذلك ما قاله فولتير على سرير احتضاره، ومن أولى منه بهذه الصرخة وهي أنين شيخ جاحد قطع من حياته كل رجاء؟

لأية علة يقوم هذا العراك؟ ومن هو يا ترى ذلك المسرح أبصاره من العلياء على هذه المآسي؟ من هذا المشرف متسليا على مشاهد هذه المخلوقات التي لا ينقطع توالدها، ولا تنتهي مدتها، فيلذ له أن يرى الصروح تشيد، ثم تنبت الأعشاب بين أطلالها، وأن يرى الزارع يزرع ثم تكتسح العاصفات ما زرع، وأن يرى الأحياء يمشون ثم يصرخ بهم الموت: قفوا ... وأن يرى الدموع تسيل حينا ثم تجف على مساكبها، وأن يرى وجه الشبيبة متوردا بالحب، ثم يراه مجعدا بالهرم؟

من هو هذا المتلهي بالنظر إلى الناس يجثون أمام السماء باسطين أكف ضراعتهم إليها، فلا تزيد السماء سنبلة واحدة على ما ينبت من السنابل في حقولهم؟

من هو مبدع كل هذه الأشياء ليتمجد وحده بعمله؟ إن جميع ما صنع هباء بهباء.

إن الأرض سائرة إلى الفناء، وقد قال هرشل: إن حياتها ستنتهي بالصقيع، فمن هو يا ترى الرافع على يده هذه القطرة من البخار المتجمد، المحدق بها، منتظرا انحلالها وتطاير عناصرها، كما يحدق الصياد بوشل من مياه البحر يتوقع تبخره ليظفر بالملح من راسبه.

إن نظام التجاذب الذي يعلق العوالم في مدارها إنما هو دافعها إلى الفناء قارضا من أحشائها بشهوة لا حد لها. فما من كوكب إلا ويجر شقوته دائرا بالأنين على محوره، وكل العوالم تتنادى من أقصى الأفلاك إلى أقصاها مشتاقة إلى راحة السكون، مفتشة عن أول كوكب يتوقف عن مسيره بينها، ولكن الله يمنعها أن تستقر، فهي دائبة أبدا على عمل لا غاية فيه، ولا نفع منه. إنها تدور وتدور، تتألم وتحترق، تنطفئ وتشتعل، تنحدر وترتفع، تتلاصق وتتجانب، وتتشابك تشابك الحلقات حاملة على سطوحها آلافا من المخلوقات تتجدد بلا انقطاع. وهذه الكائنات تضطرب وتتلاقى، فيلتصق بعضها ببعض برهة من الزمان، ثم تسقط ليقوم غيرها بعدها. إن الحياة تندفع دائما إلى حيث انعدمت الحياة كالهواء يهب أبدا إلى حيث فرغ الهواء ...

كل شيء يسير على ناموس مقرر في هذه الأفلاك، فكل مسلك خط بأسطر من ذهب ومن نار، وكل شيء ذاهب على نغمات الموسيقى السماوية، وهو يتجه أبدا على صراط لا قبل له بالتحول عنه.

وكل هذا ليس شيئا! وكل هذا هباء!

ونحن، نحن الأشباح التعسة التي لا اسم لها، الأشباح الناحلة المثقلة بأوجاعها، السائرة كالوهم في هذا الكون الفسيح، وما نفخت فيها نسمة الحياة إلا لتلد الموت، لا نفتأ نبذل الجهود لنثبت أن لنا مهمة كبرى، وأن هنالك من يشعر بوجودنا، فنتردد في إطلاق رصاصة على رأسنا، كأننا إذا فعلنا وهززنا كتفنا نأتي أمرا فريا ...

وكأن موتنا سيخرج هذا الكون عن نظامه.

Página desconocida