Confesiones de un joven de la época
اعترافات فتى العصر
Géneros
فقال الآخر: الذنب ذنبها، فما كان أغناها عن اختيار مثل هذا الرجل الذي لم يعاشر حياته سوى بنات المواخير. أما وقد جنت هذا الجنون فلتتحمل نتائجه.
وتقدمت في الظلام لأتبين من هما المتكلمان، ولأتمكن من استماع تتمة الحديث، غير أنهما لحظا اقترابي فابتعدا.
ذهبت إلى مسكن بريجيت، فرأيتها جد مضطربة لمرض جديد انتاب عمتها، فما زاد حديثنا على بعض كلمات، وما تسنى لي أن أراها بعد ذلك، بل عرفت أنها استقدمت طبيبا من باريس، ومضى أسبوع فإذا هي تدعوني إليها لتقول لي: إنها فقدت بموت عمتها آخر قريب لها، وإنها أصبحت وحيدة في العالم، وستضطر إلى مغادرة القرية.
فقلت لها: وأنا، ألست شيئا معدودا في نظرك؟
فقالت: أنت عارف بحبي لك، كما أنني أنا أعتقد بحبك لي في كثير من الأحيان، ولكن أنى لي أن أعتمد عليك وما أنا إلا خليلتك دون أن تكون أنت خليلي، وأسفاه! لكأن شكسبير قد عناك عندما قال: «اصطنع لنفسك رداء من النسيج المتموج؛ لأن قلبك شبيه باليشب يشع بآلاف الألوان.» أما أنا، فهاك ثوبي وقد ثبت فيه لونه الأسود إلى زمن طويل. - لك أن تبارحي هذا البلد، فأنا وراءك أو أنتحر.
وانطرحت جاثيا أمامها: أواه يا بريجيت! لقد حسبت أنك أصبحت وحيدة في العالم عندما ماتت عمتك. إن فكرتك هذه لأشد عقاب يمكنك أن تنزليه بي، فما شعرت قط كما أشعر الآن بمسكنة حبي لك. أنكري هذه الفكرة على نفسك فإنها تقتلني وإن كنت أستحقها. أفلا أكون في حياتك شيئا معدودا إلا لإلحاق الضرر بك وتعذيبك؟ - إنني أجهل من هم الناس الذين يترصدون لنا، فقد شاعت عنا في القرية شائعات لها غرابتها، فقال البعض: إنني أقضي على نفسي لتساهلي وجنوني، وقال آخرون: إنك رجل قاس يكمن فيك الخطر علي. فلا أدري كيف نفذ الناس إلى أقصى سرائرنا، فاكتشفوا جميع ما ظننته متجليا لي وحدي من تقلبك في معاملتي، وما نشأ عن هذا التقلب من تكرار الخلاف بيننا، حتى إن عمتي نفسها فاتحتني بالأمر، وكانت مطلعة على حالنا منذ مدة طويلة ولم تقل شيئا، ومن يدري؟ لعل هذه الإشاعات عجلت في القضاء عليها.
وقد لاحظت برود صديقاتي أو ابتعادهن عني كلما صادفتهن في المتنزه، بل إن الفلاحات أنفسهن اللواتي أحببنني كثيرا يهززن أكتافهن عندما يرين مقعدي خاليا من مرقص الأحد.
كيف يقع هذا؟ إنني أجهل السبب، ولعلك تجهله أنت أيضا، وعلى كل يجب أن أسافر؛ فقد عيل صبري في هذا الموقف بعد أن مر الموت على مسكني، وأصبحت وحيدة أمام هذه الغرفة المهجورة.
أواه يا صديقي! لا تتخل عني.
واستخرطت في البكاء، وتطلعت فإذا في أرض الغرفة صندوق السفر وجميع ما يدل على الاستعداد له، فاتضح لي أن بريجيت كانت قد عزمت على الرحيل وحدها على أثر موت عمتها دون أن أعلم، فخانتها القوى، ورأيت على وجهها دلائل الخور، وأدركت صراحة هذا الموقف الذي زججتها أنا فيه، فما كفى ما تحتمل من العذاب حتى زاد عليه تحقير الناس لها، وما كان الرجل الوحيد الذي يجب أن تستند إليه وتتعزى به إلا منشأ أشد اضطرابها، وأفظع ما في عذابها.
Página desconocida