Confesiones de un joven de la época
اعترافات فتى العصر
Géneros
وبعد هنيهة دخلت خادمة تحمل مصباحا لتأخذ الطفل من مرقده، فوقفت وبريجيت في آن واحد، ورأيتها تربط على قلبها براحتيها وتهوي إلى الأرض أمام السرير، فهرعت إليها مذعورا، وكانت لم تزل محتفظة بوعيها، فرجتني ألا أدعو أحدا وقالت: إنها تصاب بالخفقان منذ صباها دون أن يكون من هذه النوبات التي لم تجد لها علاجا أقل خطر على حياتها، وجثوت بقربها، ففتحت لي ذراعيها، فألقيت رأسي على كتفها، وعندئذ قالت لي: إنني أشفق عليك يا صديقي! فهمست في أذنها: يا لشقاوتي! ويا لجنوني! ولكنني لا أستطيع كتمان أمر تضمره سريرتي. من هو يا ترى المسيو دالانس الذي يقطن الجبل ويأتي لزيارتك أحيانا؟ ولاحت دلائل الاستغراب على وجهها عند سماعها هذا الاسم فقالت: دالانس هو صديق لزوجي.
وحدجتني كأنها تريد الاستفهام عن سبب سؤالي وقد امتقع لونها، فعضضت شفتي بأسناني وقلت في نفسي: إذا كانت ترمي إلى مخادعتي فقد أسأت التصرف بإعلان ما أضمرت.
ونهضت بريجيت متثاقلة تتمشى في الغرفة مستروحة بمروحتها، وقد تهدجت أنفاسها، وشعرت بأنني رميتها بسهمي فحكمها الصمت، وتلاقت نظراتنا وفيها برود وفيها شيء من العداء، وتوجهت إلى مكتبتها وفتحت الدرج، وأخرجت منه لفافة أوراق مربوطة بشريط من حرير فألقتها إلي دون أن تفوه بكلمة.
وبقيت ذاهلا عنها وعن رزمة الأوراق التي ألقتها إلي؛ إذ كنت مستغرقا كمن طرح حجرا في هاوية وصمد يتنصت إلى دويه.
ولاحت لأول مرة أمامي أمارة الكبرياء الجريحة على وجه بريجيت، وقد محيت عنه سطور الاضطراب والإشفاق، فشعرت أنني منها تجاه شخص غريب، وقالت: اقرأ هذا.
فتقدمت نحوها مادا يدي، فكررت قولها: اقرأ هذا، بلهجة باردة.
وشعرت وأنا أقبض على الأوراق أن شكوكي قد زالت، فاعتقدت ببراءة بريجيت، ورأيتني ظالما يخترق الندم قلبه.
وقالت: أنت تذكرني بأن علي أن أسرد تاريخ حياتي، اصغ إلي لأقصه عليك، وبعد ذلك تفتح أدراج مكتبي لتقرأ كل ما فيها من رسائل كتبتها أنا وكتبها سواي.
وجلست مشيرة إلي بالجلوس، ورأيتها تتجلد لتبدأ بحديثها وقد علت وجهها صفرة الموت، وتشنج عنقها فتهدج صوتها.
فصحت بها: بريجيت ... بريجيت ... أستحلفك ألا تتكلمي، ويشهد الله أنني ما خلقت على ما ترين، وما كنت من قبل لا متشككا ولا متحديا. لقد ضللني الناس وأفسدوا قلبي، لقد مرت بي غيرة مفجعة ألقت بي إلى الهاوية، فأنا منذ سنة لا أرى من الحياة إلا شرورها، ويعلم الله أنني ما كنت حتى صدمني هذا الاختبار لأعتقد بإمكان استسلامي إلى الغيرة، وهي أفظع ما يمثله الإنسان من أدوار الحياة. يشهد الله أنني أهواك، وليس لسواك أن يشفيني من علل أيامي الماضيات، وما عرفت فيها من النساء إلا من خدعنني وكن قاصرات عن إدراك الحب. لقد عشت فيما مضى كعاشق وفي قلبي من التذكارات ما لا قبل لي بمحوها. فما الذنب ذنبي إذا كانت أضعف التهم وأبعدها عن التصديق تقرع من هذا القلب أوتارا لم تزل تهتز بآلامها، وهي مهيأة لقبول أية ضربة تستنطق الأوجاع.
Página desconocida