La confesión: una historia de vida
الاعتراف: وهو قصة نفس
Géneros
لقد جرى بيني وبين رجل من الناس خلاف بعد حدوث هذه القصة، فأردت أن أطبق هذه الفكرة الجديدة؛ فكرة الاعتزاز بعزة النفس. فلما احتد الجدال بيننا وخفت أن يبدأ اللطام بدأته به كما تفعل الأمم المتحاربة؛ فإن المبادرة نصف الظفر. فبادرته بلطمة بين عينيه، وكنت أريد أن يخر مغشيا عليه منها، ولكني خفت أن أفقأ عينه أو أن أصيب أحد أعضاء وجهه بتلف دائم، أو أن تكون ضربتي هي الضربة القاضية عليه التي تودي بحياته؛ فتعود بالطامة وبالعقاب الشديد. كل هذه الخواطر جالت بذهني عندما مددت يدي لألطمه؛ ومن أجل ذلك لم يكن وقع اللطمة عليه شديدا. فمد إلي يده باللطام، ولكن يخيل لي أنه لم يخش ما خشيت من العقاب، وإنما استنتجت ذلك من وقع لطماته، فانصرفت بأنف مهشم وعين سوداء حمراء زرقاء كأنها قوس قزح!
على أني بالرغم من شدة المقت والكره الذي أعالجه إذا أساء إلي مسيء، لا أقدر أن أحمل الحقد مدة طويلة؛ لأنه يورثني التعب الشديد، ومن أجل ذلك صرت قليل الانتقام لنفسي من إساءة نالني بها مسيء. وربما كان سبب ذلك ضعف الإرادة؛ فإني لا أنسى إساءة مهما مر عليها من الزمن، ولكني أذكرها إذا أذكرنيها شيء، فإذا تناسيتها لا أمقت من نالني بها حتى يذكرنيها شيء آخر. وفي أثناء ذلك قد يكون ذلك المسيء عزيزا لدي، فإذا ذكرتها تألمت منها مهما قدم عهدها، ووددت لو أعاقب عليها من نالني بها حتى أخشى عليه بوادر غضبي وفتكي. ولكني أسخر من نفسي وأنشدها قول جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع!
ثم أرجع إلى نفسي فأقول: وأي نفع يرجى من الانتقام! إن العجز عن الانتقام من صفات صاحب العقل الكبير والنفس العظيمة؛ فأجد تعلة وسلوانا في هذه الكلمة. غير أن الشك قد يعتورني أحيانا فأقول: إن صاحب العقل الكبير والنفس العظيمة يربأ بنفسه عن الانتقام، وليس كل عجز عن الانتقام دليلا على كبر العقل وسعة النفس، فإني أعرف من الحمقى والمجانين، وأهل البله والغباء من لا يقدر على ذرة من الانتقام.
سخر القضاء
ما أعجب هذه الحياة! وما أعجب تعجبي منها! على أن التعجب منها خير؛ لأني إذا لم أقدر على ذلك أكون قد يئست منها، فأرى أنها لا تستحق أن يعالجها المرء.
ومن العجيب أني عوقبت كثيرا في الحياة على ما لم أجن من الذنوب، وكوفئت بالخير على ما جنيت منها! أحيانا أفعل الشر فيخفى عن الناس، ويحسبون أني فعلت من الخير نقيض ذلك الشر. وأحيانا أجد في عمل الخير، فيحسب الناس أني أسعى إلى الشر. وقد جلب لي فعل الخير من بغض أهل الخير واتهامهم إياي قدر ما جلب لي من بغض أهل الشر. ولست أعجب من شيء عجبي ممن يثق من نفسه أنه يفعل الخير، الذي يبغض المسيء أكثر من بغضه إساءته، ولا يعلم أن المرء قد يفعل الشر وهو يحسب أنه خير، ويفعل الخير وهو يحسب أنه شر!
ما أعوص لغز الضمائر وأعمقه وأبعده عن المتناول! وما أذل الناس للتهم الكاذبة، والمصادر الخداعة والحوادث التي تغر! أليس كل ذلك مما يجعلنا نعتقد أن الإنسان كرة في أرجل المقادير، إذا عظم كانت عظمته منها، وإذا حقر كانت حقارته منها؟ وهل يمنع أهل السعي والجد والعمل اعتقادهم بسلطان القضاء عن السعي والجد والعمل؟ أم هل يزع أهل الإرادة الضعيفة والكسل والذل نكرانهم سلطان القضاء عن ضعف إرادتهم وكسلهم وذلهم؟ كلا فهذا أسلوب من أساليب سخر القضاء.
الإنسان والكون
Página desconocida