وطالِبٌ يعطيه الإِمام النَّووي كل هذا الاهتمام، ليس كأي طالب، وإنما ذلك لما ظهر من ابن العطار من مخايل الذكاء، وكمال الفهم، مع قوة العزيمة، والجِدّ في طلب العلم، فرأى الإمامُ النَّووي أن يتعهده بالرعاية والعناية؛ ليشد عضده، ويقوي ساعده؛ علَّه يكون في مصافِّ أهل العلم مستقبلًا.
• الرحلة في طلب العلم:
الرحلةُ في طلب العلم سُنَّة العلماء، خاصة المحدِّثين منهم، ولكن جرتِ العادةُ أن الطالبَ لا يسافر من بلدته إلا بعد أن يأخذَ من شيوخها، ويستوعب ما لديهم، ثم يتوجَّه إلى الأقطار، قاطعًا الفيافي، متحملًا المشاق في سبيل العلم.
وللرحلة مزايا عديدة، أهمها: اللقاء بالمشايخ الكبار في كل فن، ونقل العلوم التي ينفردُ بها أهلُ كل منطقة، والوقوف على طريقة كل قوم في تدريس العلوم، إضافةً إلى معرفة عادات كل قوم، ومسالك حياتهم، وكل ذلك بلا ريبٍ يساعدُ الطالبَ على توسيع مداركه ومعارفه.
وصاحبنا الذي نقومُ بترجمته واحد من هؤلاء، فإنه قد حمل عصا الترحال يجوبُ الآفاق، ويقطع الفيافي؛ إلا أن مترجميه مع كثرتهم لم يعنوا بتتبع رحلاته، ولكن تيسَّر لي - بحمد الله - معرفة معظم الأماكن؛ التي رحل إليها من خلال شيوخه؛ الذين سمع منهم في أماكن متفرقة.
حيث سمع بمكة من أبي اليُمْن بن عساكر، وبالمدينة من أحمد بن محمَّد النصيبي، وبالقدس من قطب الدين الزهري (١)، وبنابلس من
_________
(١) هو عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم الزهري، يرجع نسبه إلى عبد الرحمن بن عوف =
1 / 27