أوّل كافرٍ به، وأوّل مؤمنٍ، فمعناه: أوّل الكافرين، وأول المؤمنين لا فصل بينهما في لغة ولا قياس، ولا فيما يتقبله الناس. قال ومجازه: لا تكونوا أوّل قبيل كافرٍ به، وأول حزب كافر به، وهو ممّا يسوغ به النعت؛ لأنَّا نقول: جاءني قبيلٌ صالحٌ وحيٌّ كريمٌ، ونظير ما ذكره أبو العباس قول الشاعر:
وإذا همُ طعموا فالأمُ طاعم ... وإذا هم جاعوا فشرُّ جياعِ
وقال الزجاج في هذه المسألة: إذا قلت الجيش رجل فإنما يكره في هذا أنّ يتوهم أنك تقلله، فأما إذا عرف معناه فهو سائغٌ جيد، تقول: جيشهم إنَّما هو رجلٌ وفرس أي ليس بكثير الأتباع، فيدلُّ المعنى على أنّك تريد: الجيش خيل ورجال، وهو في فاعل ومفعول أبين؛ كقولك: الجندُ مقبل، والجيش مهزوم، قال غيره لا يجوز: نحن أوّل رجل قام، ويجوز: نحن أوّل قائم.
قال علي بن عيسى: إنّ جعْلَ الواحد بإزاء الجماعة إذا لم يكن فيه معنى الفعل كان قبيحًا، ألا ترى أنّه يقبح: إخوتك أوّل رجل، وإنما يحسن: أخوك أوّل رجل؛ لأنّك ذكرت واحدًا فقابلت به واحدًا على معنى الجميع، ولا يجيء على ذلك القياس إذا ذكرت جميعا إلا أنّ تقابل به الجميع، وقد علمنا أنّهم جعلوا لفظ الواحد في موضع الجمع للإيجاز.
وأبين هذه الأقوال قولُ أبي العباس.
* * *
فصل:
ويقال: إذا كانوا أو كافر به، ما في ذلك من تعظيم الأمر عليهم في أنّ لا يكونوا ثاني كافر؟ فالجواب: لأنَّهم إذا كانوا أئمةً في الضلالة كانت ضلالتهم أعظم على نحو ما جاء من قولهم: (من سَنَّ سنة خير كان له أجرها وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة.
ونصب (أَوَّلَ كَافِرٍ) لأنّه خبر كان، وأما نصب قوله (مصدقًا) فلأنّه حال من الهاء المحذوفة،
1 / 40