ثُمَّ وَقَعَ الْمُنْكِرُ فِيمَا هُوَ أَشَدُّ، كُلُّ هَذَا مَعَ التَّحَرِي فِيمَنْ يُحِبُّهُ لِاقْتِفَائِهِ لَهُ، أَوْ لِصَدَاقَتِهِ مَعَهُ مِمَّا قَدْ تَكُونُ فِي اللهِ -تَعَالَى- أَوْ لإِحْسَانٍ وَنَحْوِهِ لِمَا جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ، بِحَيْثُ قِيلَ: "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُ لِفَاجِرٍ عِنْدِي نِعْمَةً يَرْعَاهُ بِهَا قَلْبِي" (^١).
وَانْظُرْ لِشِدَّةِ تَحَرُّزِ ابْنِ مَعِينٍ، فَإِنَّه لَمَّا قَدِمَ حَرَّانَ طَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الضَّحَّاكِ البَابْلُتِّيُّ (^٢) أَنَّهُ يَجِيءُ إِلَيْهِ فَوَجَّهَ (إِلَيْهِ) (^٣) بِصُرَّةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَطَعَامٌ طَيِّبٌ، فَقَبِلَ الطَّعَامَ وَرَدَّ الصُرَّةَ، فَلَمَّا رَحَلَ سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ إِنَّ صِلَتَهُ لَحَسَنَةٌ، وَإِنَّ طَعَامَهُ لَطيِّبٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْأَوْزَاعِي شَيْئًا" (^٤)!
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ الْأعْمَشِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ (^٥) وِلَايَةُ الحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ (^٦) مَظَالِمَ الْكُوفَةِ قَالَ: "ظَالِمُنَا وَابْنُ ظَالِمِنَا، وُلِّيَ مَظَالِمَنَا" ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَسِيرٍ وَقَدْ جَهَّزَ المُشَارُ إِلَيْهِ شَيْئًا: "صَالِحُنَا وَابْنُ صَالِحُنَا، وُلِّيَ مَصَالِحَنَا" وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ