الْمُجَازَفَةَ وَاحْتَاطَ لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي لَا يَسَعُ الْإِخْلَالُ بِهَا، وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ حِفْظُهَا وَرِعَايَتُهَا، فَإِنَّ خَطَرَ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ الدُّنْيَا، وَقَدْ شُرِطَ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ رِعَايَةُ الْعَدَالَةِ وَثُبُوتُ الْأَهْلِيَّةِ، فَأَحْرَى أَنْ يَتَعَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ صَوْنًا لَهَا مِنَ (^١) التَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، خُصُوصًا مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ فَأَضَلَّهُ عَنْ هُدَاهُ، كَالْمُبْتَدِعَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى الضَّلَالِ. فَيَجِبُ الاحْتِيَاطُ بِكَشْفِ أَحْوَالِ نَقَلَةِ الأَخْبَارِ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَيُرْكَنُ إِلَى رِوَايَتِهِ، وَبَيْنَ مَنْ يَجِبُ الإِعْلَامُ بِحَالِهِ، فَلَا يُنْكَرُ عَلَى مَنِ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَقْوَالِ الْمَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ الْمُجَانِبِينَ لِلْأَهْوَاءِ، بَلْ يَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مَحْمُودًا مُثَابًا إِذَا صَدَقَتْ نِيَّتُهُ، وَاسْتَقَامَتْ طَرِيقَتَهُ" (^٢).
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ، أَحَدُ الرُّؤُوسِ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ، بِوُجُوبِ التَّعْزِيزِ (^٣) عَلَى الْمُنْكَرِ، قَالَ:
"وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمُؤَرِّخِينَ الْمُتَأَخِّرِينِ الَّذِينَ كَتَبُوا التَّارِيخَ -مِثْلُ الْخَطِيبِ، وَابْنِ الْجَوْزِي وَسِبْطِهِ، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَمْثَالِهِمْ -فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا إِلَّا وُقُوفَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِيُمَيِّزُوا الْمُعَدَّلَ مِنَ الْمَجْرُوحِ. وَأَمَّا الَّذِي يَكْتُبُ التَّارِيخَ فِي زَمَانِنَا هَذَا، فَإِنْ كَانَ نَقْلُهُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ أَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَاتٍ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى مُجَلَّدَاتٍ" (^٤).
وَقَالَ الْعِزُّ الْكِنَانِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، الْفَرِيدُ فِي زَمَانِهِ: