وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَدْ رَدَّهُّ (^١) ابْنُ الأَثِيرِ (^٢) بِمَا حَاصِلُهُ: "أَنَّهُ ظَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِشْرِ دُونَ اللُّبِّ، وَاخْتَصَرَ فَلَمْ يَنْظُرْ مَا فِيهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ التَّعَصُّبِ. وَمَنْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى طَبْعًا سَلِيمًا، وَهَدَاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، عَلِمَ أَنَّ فَوَائِدَهُ كَثِيرَةٌ، وَمَنَافِعَهُ الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ -يَعْنِي كَمَا قَدَّمْنَا- جَمَّةٌ غَزِيرَةٌ".
وَأَمَّا الثَّالِثُ: "فَلَيْسَ مُجَرَّدُ الاِقْتِصَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ نَقْصًا؛ فَالْمُؤَرِّخُونَ مَقَاصِدُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الاِبْتِدَاءِ، أَوْ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ، وَأَهْلُ الأَثَرِ يُؤْثِرُونَ ذِكْرَ الْعُلَمَاءِ، وَالزُّهَّادُ يُحِبُّونَ أَحَادِيثَ الصُّلَحَاءِ وَأَرْبَابُ الأَدَبِ يَمِيلُونَ إِلَى أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشُّعَرَاءِ" (^٣).
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُلَّ مَطْلُوبٌ، وَالْجَمِيعَ مَحْبُوبٌ وَفِيهِ مَرْغُوبٌ، وَكُلُّ مَنِ الْتَزَمَ شَيْئًا فَالْغَالِبُ عَدَمُ خُرُوجِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ (^٤) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ لِمَجْمُوعِهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ جَمَعَهُ فِي دِيوَانٍ، وَأَوْدَعَهُ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ خَلَلٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَالكَمَالُ للهِ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَقَدْ أَجَبْنَاهُمْ بِأَنَّ الْمَلْحُوظَ فِي تَسْوِيغِ ذَلِكَ كَوْنُهُ نَصِيحَةً، وَلَا انْحِصَارَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الأَمَاكِنِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا ذِكْرُ الْمَرْءِ بمَا يَكْرَهُ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غِيبَةً، بَلْ [هُوَ] (^٥) نَصِيحَةٌ وَاجِبَةٌ -أَنْ تَكُونَ لِلْمَذْكُورِ وِلَايَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا؛ إِمَّا بِأَلَّا يَكُونَ صَالِحًا لَهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ مُغَفَّلًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيُذْكَرَ لِيُزَالَ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ، أَوْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَغَيْرِهِمْ، أَوْ