نَعَمْ، سَأَلَنِي الدَّوَادَارُ بَعْدَهُ يَشْبَكُ من (^١) مَهْدِيٍّ عَظِيمِ الدَّوْلَةِ (^٢) -وَكَانَ فِي الذَّوْقِ سِيَّمَا لِهَذَا المَعْنَى بِمَكَانٍ- أَنْ أُذَيِّلَ لَهُ عَلَى تَارِيخِ المَقْرِيزِيِّ "السُّلُوكُ" فَأَجَبْتُهُ بَعْدَ الاِسْتِخَارَةِ وَالاِسْتِشَارَةِ وَجَمَعْتُ "التِّبْرُ الْمَسْبُوكُ" وَاغْتَبَطَ بِذَلِكَ، بِحَيْثُ كَانَ يَسْتَصْحِبُ مَا حَصَّلَهُ مِنْهُ فِي أَسْفَارِهِ، وَيُوقِفُ عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ، مُتَبَجِّحًا بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُبَاشِرِينَ وَالرُّؤَسَاءِ، وَأَعْلَى مِنْهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ تَلَفُّتٌ لِلثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ الْجَمِيلِ، وَجَلْبٌ لِمَنْ يَتَوَهَّمُونَ ذِكْرَهُ لَهُمْ بِالتَّعْلِيلِ، وَلَكِنْ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَمَا بَقِيَ غَالِبًا سِوَى الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الأَدَبِ وَالتَّلَفُّتِ لِلْحِطَامِ وَالسَّلَامِ.
وَكَانَ مِمَّا قُلْتُهُ فِي مُقَدِّمَةِ "التِّبْرُ" (^٣):
"عِلْمُ التَّارِيخُ فَنٌّ مِنْ فُنُونِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَزَيْنٌ تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ، حَيْثُ سُلِكَ فِيهِ المَنْهَجُ الْقَوِيمُ الْمُسْتَوِي، بَلْ وَقْعُهُ مِنَ الدِّينِ عَظِيمٌ، وَنَفْعُهُ يَتَعَيَّنُ (^٤) فِي الشَّرْعِ لِشُهْرَتِهِ، غَنَيٌّ عَنْ مَزِيدِ البَيَانِ وَالتَّفْهِيمِ.
إِذْ بِهِ (يَعْلَمُ أَهْلُ الْجَلَالَةِ وَالرُّسُوخِ مَا يُفْهَمُ بِهِ النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ) (^٥) وَيَظْهَرُ تَزْيِيفُ مُدَّعِي اللِّقَاءِ، وَيُشْهَرُ مَا (^٦) صَدَرَ مِنْهُ مِنَ التَّحْرِيفِ فِي الاِرْتِقَاءِ (لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي جَعَلَ رِوَايَتَهُ عَنْهُ مِنْ مَقْصِدِهِ كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ مَوْلدِهِ أَوْ) (^٧) كَانَ اخْتَلَّ عَقْلُهُ أَوْ اخْتَلَطَ، أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ بَلْدَتَهُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهَا الطَّالِبُ قَطْ.