فحلفن أنهن لا يعرفن من حديث هذا الكتاب شيئا، فقلت: إني لم أفعل ذلك بخلا بمن يهوى منكن، فمن عرفت بحال هذا الفتى، فهي هبة مني له بمالها ومائة دينار. وكتبت جوابه أشكره على ذلك وأسأله قبولها ووضعت الكتاب في جنب البيت ومائة دينار، وقلت: من عرف شيئا فليأخذه، فمكث الكتاب والذهب أياما لا يأخذه أحد، فغمني ذلك، وقلت: هذا قنع ممن يحبه بالنظر، فمنعت من يخرج من جواري من الخروج. فما كان إلا يوما أو بعض يوم إذ دخل علي الخادم ومعه كتاب. وقال هذا من بعض أصدقائك بعث به إليك. فقلت: اخرج وائتني به. فخرج فلم يجده ففتحت الكتاب فإذا فيه:
ماذا أتيت إلى روح معلقة ... عند التراقي، وحادي الموت حاديها
حثثت حاديها ظلما، فجد بها ... في السير حتى تخلت عن تراقيها
والله لو قيل لي: تأتي بفاحشة ... وإن عقباك دنيانا وما فيها
لقلت: لا والذي أخشى عقوبته ... ولا بأضعافها ما كنت آتيها
لولا الحياء لبحنا بالذي سكنت ... بيت الفؤاد وأبدينا أمانيها
قال: فغمني أمره فقلت للخادم: لا يأتينك أحد بكتاب إلا قبضنا عليه. قال: وقرب موسم الحج. قال: فبينما أنا قد أفضت من عرفة، وإذا فتى إلى جانبي على ناقة لم يبق منه إلا الخيال، فسلم علي فرددت عليه السلام ورحبت به، فقال: أتعرفني؟ فقلت: وما أنكرك بسوء. فقال: أنا صاحب الكتابين. فانكببت عليه فقلت له: يا أخي لقد غمني أمرك وأقلقني كتمانك لنفسك ووهبت لك طلبك ومائة دينار. فقال: بارك الله لك إنما أتيتك مستحلا من نظر كنت أنظره على غير حكم الكتاب والسنة. فقلت: غفر الله لك وللجارية فسر معي إلى منزلي لأسلمها إليك ومائة دينار مثلها في كل سنة. فقال: لا حاجة لي بذلك. فألححت عليه فلم يفعل. فقلت له: أما إذا أبيت فعرفني من هي من جواري لأكرمها من أجلك ما حييت. فقال: ما كنت لأسميها لأحد. وودعني وانصرف وكان آخر العهد به. انتهى.
Página 46