فأرسل له معاوية، فلما حضر قال: يا حسن! إني لم أرسل إليك، ولكن هؤلاء أرسلوا إليك، فاسمع مقالتهم.
فقال الحسن رضي الله عنه: فليتكلموا ونحن نسمع.
فقام عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا حسن، هل تعلم أن أباك أول من أثار الفتنة وطلب الملك، فكيف رأيت صنع الله تعالى به؟ ثم قام الوليد بن عقبة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا بني هاشم! كنتم أصهار عثمان بن عفان، فنعم الصهر كان لكم لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقربكم ويفضلكم، ثم بغيتم عليه وقتلتموه، وقد أردنا قتل أبيك فأنقذنا الله منه، ولو قتلناه ما كان علينا ذنب.
ثم قام عتبة بن أبي سفيان فقال: يا حسن، إن أباك قد تعدى على عثمان فقتله حسدا على الملك والدنيا، فسلبهما الله منه، ولقد أردنا قتل أبيك، حتى قتله الله تعالى.
ثم قام المغيرة بن شعبة، وقال كلاما سبا لعلي وتعظيما لعثمان.
فقام الحسن، رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: بك أبدأ يا معاوية! لم يشتمني هؤلاء ولكن أنت تشتمني بغضا وعداوة وخلافا لجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى الناس، وقال: أنشدكم الله إن الذي شتمه هؤلاء أما كان أبي، وهو أول من آمن بالله وصلى إلى القبلتين، وأنت يا معاوية كافر تشرك بالله؟ وكان مع أبي لواء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ولواء المشركين مع معاوية؛ ثم قال: أنشدكم الله تعالى، أما كان معاوية يكتب لجدي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه يوما فرجع الرسول، وقال: هو يأكل. فرد إليه الرسول ثلاث مرات، كل ذلك يقول هو يأكل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أشبع الله بطنه، يا معاوية! أما تعرف ذلك من بطنك؟ ثم قال: وأنشدكم الله أما تعلمون أن معاوية كان يقود بأبيه، وهو على جمل، وأخوه هذا يسوقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، وأنت تعلم ذلك. هذا كله لك يا معاوية.
وأما أنت يا عمرو. فقد تنازعك خمسة من قريش. فغلب عليك شبه الأبهم، وهو أقلهم حسبا وأسوأهم منصبا، ثم قمت وسط قريش فقلت: إني شانيء محمدا بثلاثين بيتا من الشعر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني لا أحسن الشعر. اللهم العن عمرو بن العاص بكل بيت لعنة، ثم انطلقت إلى النجاشي بما عملت وعلمت. فكذبك وردك خائبا، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام. فلا نلومك على بغضك الآن.
وأما أنت يا ابن أبي معيط فكيف نلومك على سبك لأبي، وقد جلدك أبي في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بأمر جدي، وقتله جدي بأمر ربي، ولما قدمه للقتل قال:
Página 28