وفيه : أما أولا فهو أن عدم رؤية الصحابة مطلقا ليس متفقا عليه بين المحدثين ، بل هو مختلف فيه بينهم ، والمعتمد هو ثبوت الرؤية لأنس رضي الله عنه عندهم كما حققته في رسالتي " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة" بذكر عبارة الذهبي والولي العراقي والحافظ ابن حجر والسيوطي وابن سعد واليافعي وابن الجوزي وعلي القاري والتوريشتى والجزري وغيرهم . وأرجو من المنصف أن لا تبقى له شبة في تابعيته بعد الاطلاع على تلك العبارات .
وأما المتعسف فكلامه خارج عن بحث الثقات ، فغاية ما في الباب أن يكون رأي مؤلف "أبجد العلوم" مائلا إلى عدم تابعيته لما عرض له نوع من الشبهة ، لكنه لا يقتضي أن يرتفع خلاف المحدثين في الباب ، وينسب إليهم الاتفاق فيما اختلفوا فيه البتة .
وأما ثانيا فهو أن صاحب " الأبجد" قد نقل بنفسه في رسالة " الحطة" عبارة السيوطي المشتملة بعبارة الولي العراقي وابن حجر العسقلاني المفيد لتابعيته ، فما باله جعل عدم تابعيته في " الأبجد" متفقا عليه مع علمه بأنه مختلف فيه ، فلعله نسي ما كتبه سابقا أو تعمد به مغالطا أو عاد من مراتب " الحطة" إلى منازل " الأبجد" متنازلا ، وأيا ما كان فمثله عجيب عن مثله ، والله يعفو عنا وعنه .
وأما ثالثا(1) : فهو أن قوله : وإن عاصر الخ ، مشتمل على تدليس يجب أن يحترز مثله عن مثله ، فإنه يوهم أن إثبات المعاصرة مختص بالحنفية ، وليس كذلك ، بل جميع الفقهاء والمحدثين وجميع العقلاء والمورخين قائلون بمعاصرته لبعض الصحابة ، كيف لا وقد ولد أبو حنيفة على الأصح الأشهر سنة ثمانين ، وكان ذلك العصر عصر الصحابة باليقين .
Página 15