86

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Editorial

دار الفكر العربي

الجليل محمي السنة النبوية، واتخذوا ذلك سبيلاً للتأثير، لما للنبي صلى الله عليه وسلم من مكان قدسي في القلوب، وسرعان ما تتحرك نفس المسلم إن أتيت من ناحية ما يمس شخص النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولما أحكم التدبير كاتبوا السلطان في مصر بذلك، فأمر بجمع القضاة عنده، فنظروا في الفتوى من غير حضور صاحبها، وقيل إنه حرف فيها الكلم عن مواضعه، فرأى السلطان حبسه في محبس يليق بمثله من المكرمين ذوي المكانة عنده.

وجاء الأمر إلى دمشق في السابع من شعبان سنة ٧٢٦، وبلغ إلى الشيخ، وأحضروا له مركباً، ونقل إلى قلعة دمشق، وأخليت له قاعة. وأجرى إليها الماء، وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، وأجرى عليه ما يقوم بكفايته)).

وما إن اعتقل الشيخ حتى تكشفت القلوب عن خبيئاتها، وظهر الأذى في تلاميذه وأوليائه، فأمر قاضي القضاة بحبس جماعة من أصحابه، وعزر جماعة منهم بتركابهم على الدواب والمناداة عليهم، وبعد ذلك أطلقوا من محابسهم ما عدا صفيه، وحامل اللواء من بعده شمس الدين محمد بن قيم الجوزية. فإنه حبس بالقلعة.

٩٤- كان اعتقال الشيخ رضي الله عنه موضع ألم عند المخلصين طلاب الحقيقة الصافية، وموضع سرور عند الذين غلبت عليهم أفكار وآراء لم تجعل قلوبهم متسعة لسواها، كما وجدها أهل الأهواء انتصاراً لأهوائهم، وغلبة جاءت إليهم بعد جهاد شاق مرير دام نحواً من ثلاثين سنة من وقت أن شنها على البدع في نظره حرباً شعواء في رسالته الحموية وغيرها.

ولقد أحس العلماء المخلصون يعلو كفة البدع والهوى باعتقال الشيخ رضي الله عنه، ولذلك كتب علماء بغداد إلى السلطان الناصر بمصر كتاباً يبينون فيه النازلة التي نزلت بالإسلام والمسلمين بغمد ذلك السيف المصلت على البدع والمبتدعين وقد جاء في ذلك الكتاب.

((لما قرع أهل البلاد المشرقية والنواحي العراقية التضييق على شيخ الإسلام

85