ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Editorial
دار الفكر العربي
المحنة الأولى
٥٨- اشتدت العداوة إذن بين جمع من العلماء وتقي الدين رضي الله عنه، وعمدوا إلى الكيد له، وحاولوا إثارة الفتن حوله، ولكن كان يحميه منهم أمران: (أولهما) أن الولاة حسنوا الرأي فيه يعرفون فيه الإخلاص والدين والعلم الغزير، وإن لم يكونوا من العلم بحيث يعرفون مكانه في العلم ومكان غيره، والحق في المسائل التي اختلفوا فيها، ومنشأ الخلاف فإن ذلك أمر فوق طاقتهم وقدرهم، فقد كانوا جنوداً من الترك وصلوا إلى ما وصلوا إليه بجنديتهم لا بثقافتهم.
(ثاني الأمرين) منزلته عند العامة في الشام، فإن منزلته فوق المنال، وإن حاولوا النيل منه تعرضوا للفتن. ولو كان ميل الولاة مع خصومه ما استطاعوا أن ينصروهم لمنزلته عند العامة، ولخشية الفتن، وأقصى ما تصل إليه أيدي خصومه هو بعض أتباعه.
٥٩- ولكن إن تحول الولاة عن نصرته، وكانت المخاصمة في غير الشام قد ينالون منه، وقد يصلون إلى غرضهم فيه، وقد يبلغ الكيد أقصى مداه وقد اتجه الأمر بينه وبينهم إلى ذلك النحو، فإن السلطان الناصر الذي كانت له المنزلة عنده. وكان نوابه يكبرونه لإكباره، قد أخذ سلطانه يضعف في مصر، وأخذ القواد يخرجون عليه، وأخذ أمره يهون.
فأخذ الولاة في مصر حينئذ يستمعون إلى المقالة فيه، وخصوصاً أنه لم يكن قريباً منهم يرون فيه ما يجذبهم إليه؛ ويبعد قالة السوء عنه، وقد طلب إلى مصر على أثر مجلس عقد للمناظرة بينه وبين مخالفيه في الشام، وانتهى المجلس بإقرار عقيدته، والنزول على فكرته(١). وكان الطلب بكتاب جاء فيه ((إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف، وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه)) ثم جاء كتاب آخر طلب
(١) قد نشير إلى المجالس عند الكلام في آرائه بعون الله تعالى.
54