يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ! فدل على أن السميع والبصير والغني أكمل، وأن المعبود يجب أن يكون كذلك، ومثل هذا في القرآن متعدد وكثير.
وهكذا يخلص لشيخ الإسلام الاستدلال من القرآن على ثبوت صفات الكمال لله تعالى، وعلى تنزهه عن كل صفات النقص، مبتعدا عما سلكه المتكلمون والفلاسفة في هذه العقائد وناقدا لهم أشد النقد.
وكذلك نراه يسير على المنهج الصحيح في رسالة أخرى خصصها أيضا لصفات الله وعلوه على خلقه، وهي كسابقتها جواب عن استفتاء رفع إليه.
17
يفيض شيخ الإسلام في الإجابة عن هذه المسألة المهمة الدقيقة؛ مسألة علو الله تعالى على خلقه، ويستدل لإثبات هذه الصفة من القرآن والحديث والآثار الصحيحة المروية عن الصحابة ومن إليهم، وهو يقول في ذلك ما نصه: «وجوب إثبات العلو لله تعالى ونحوه يتبين من وجوه
18
أحدها: أن يقال إن القرآن والسنن المستفيضة المتواترة، وكلام السابقين والتابعين، بل وسائر القرون الثلاثة، مملوء بما فيه من إثبات العلو لله على عرشه بأنواع من الدلالات، ووجوه من الصفات، وأصناف من العبارات.
تارة يخبر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وقد ذكر الاستواء على العرش في سبعة مواضع، وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه، كقوله تعالى:
بل رفعه الله إليه ...
وتارة يخبر بنزولها منه أو من عنده، كقوله تعالى:
Página desconocida