90

فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن القرآن كتاب عربي مبين، وأن بعضه يفسر بعضا آخر منه، خلص لنا أن منهج ابن تيمية في فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه يقوم على هذه الأصول، وكل منها تكون عنه مرتبة في التفسير أحسن وأقوى مما يليها، وهذه الأصول هي: (1)

تفسير القرآن بالقرآن، وهي أحسن طرق التفسير وأعلاها مرتبة، فإن ما أجمل في مكان قد فسر وبين في موضع آخر، وما اختصر في مكان قد بسط في موضع آخر. (2)

فإن أعيانا أن نجد تفسيرا لبعض آيات القرآن فيه، فعلينا بالمرتبة الثانية لتفسيره وهي سنة الرسول، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وفي هذا يقول الله تعالى:

وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ؛ ولهذا قال الرسول: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»؛ يعني السنة. (3)

فإن لم نجد تفسير ما نريد لا في القرآن ولا في السنة، كانت المرتبة الثالثة هي تفسيره بأقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين ومنهم عبد الله بن مسعود والحبر البحر عبد الله بن عباس.

وابن مسعود هو الذي يقول - كما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره:

7 «والله الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.»

وابن عباس هو ابن عم رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، وهو ترجمان القرآن ببركة دعاء الرسول له إذ قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل.» ويقول عنه ابن مسعود فيما رواه الطبري: «نعم ترجمان القرآن ابن عباس!» (4)

وبعد مرتبة تفسير القرآن به أو بالسنة أو بأقوال الصحابة، تجيء مرتبة تفسيره بأقوال التابعين (إن لم نجد لأحد من الصحابة قولا فيما نريد تفسيره من كتاب الله)، مثل مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وغيره من رجال العلم بكتاب الله ومعانيه، والذين استفادوا علمهم من الصحابة رضي الله عنهم.

Página desconocida