ولكنه هو لا يرى وجود تعارض مطلقا بين طريق النقل الصحيح وطريق العقل الصريح، والمنقول الذي يخالف العقل لا يكون إلا حديثا موضوعا أو نصا آخر لا يدل دلالة قاطعة على ما يراد الاستدلال به عليه، وعلى فرض وجود تعارض بين العقل والنص، يجب ترجيح الأخذ بالنص الثابت عن الأنبياء على ما يؤدي إليه العقل واستدلاله.
ومن الحق - وهذا ما ينبغي علينا هنا أن نشير إليه - أنه ذكر في بعض كتبه أنه عند تعارض العقل والسمع، يجب تقدير ما تكون دلالته قطعية، سواء أكان هو الدليل العقلي أم الدليل السمعي، ولكنه قال بعد ذلك بقليل: «لكن كون السمعي لا يكون قطعيا دونه خرط القتاد»؛
17
يريد أن يقول بأن الدليل السمعي، متى ثبت صحة نقله، يقدم دائما على العقل وما يؤدي إليه.
وكل هذا ينتهي بنا إلى النتيجة التي استخلصناها آنفا، وهو أن مشكلة التأويل لم تعرض لابن تيمية بل هو الذي عرض لها، وأن التأويل ليس من عناصر منهجه الذي اتبعه بأمانة في كل بحوثه ومناظراته وكتاباته.
ومن البدهي مع ذلك كله، أنه لم يكن يهمل العقل والفكر في دراساته، وما كان لمثله أو لأي باحث آخر أن يهمل أشرف جزء في الإنسان، وبه كرمه الله وأعلاه على كل ما خلق، ولكنه لم يجاوز به قدره ومجاله، ولم يجعله حاكما على نص قرآني أو حديث صحيح، بل أراد له أن يكون دائما في مدار الشريعة وكتابيهما المقدسين: كتاب الله المحكم، وسنة رسوله الصحيحة، فإذا خرج به الإنسان عن هذا المدار ضل ضلالا بعيدا.
عدم التعصب والجمود
لم يكن الشيخ ابن تيمية بالرجل الذي يتبع غيره في رأي له بغير بينة أو دليل، ولا بالذي يتعصب لرأي ويجمد عليه، وقد بان له خطؤه، بل كان حرا في تفكيره في دائرة الكتاب والسنة، وما صح عن الصحابة من الآثار، غير متعصب إلا للحق وللحق وحده.
خلع عن عنقه ربقة التقليد للغير، ولم يقيد نفسه إلا بالقرآن وسنة الرسول
صلى الله عليه وسلم
Página desconocida