ذلك ما سنتناوله هنا بإيجاز، وسنقتبس فيه بعض ما كتبناه في هذه الناحية في كتاب ظهر لنا منذ سنوات.
13 •••
لم تعرض مشكلة تأويل نصوص القرآن والحديث لابن تيمية، وإنما هو الذي رأى ضروريا أن يعرض لها، وذلك حتى يدفع عن النصوص المقدسة عادية «المؤولين» الذين أسرفوا في التأويل لتشهد هذه النصوص لما ذهبوا إليه من آراء، فقد كانوا يعتقدون ثم يستدلون، أما هو فكان يستدل أولا ثم يعتقد ثانيا ما أداه إليه الدليل النصي.
إنه يرى أولا أن يفرق بين التأويل في عرف السلف، وبينه عند المتكلمين - وبخاصة المعتزلة منهم - والفلاسفة والمتصوفة الإسلاميين.
فالتأويل عند رجال السلف هو التفسير وبيان المراد من النص القرآني أو الحديثي، وبهذا المعنى ورد كثيرا في القرآن نفسه، وهو التأويل المقبول. ومن ثم، يقال: إن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم كانوا على علم بتأويل القرآن الذي فهموه وفسروه كله، وفي هذا يقول الحسن البصري من التابعين: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها.
14
ولهذا لا يجوز التوقف وترك بيان معنى الآية من آيات القرآن؛ لأن الله أمرنا أن نتدبره وأن نفهمه، والرسول
صلى الله عليه وسلم
لم يترك هذا من غير بيان للصحابة. اللهم إلا أن يقال إن الرسول كان لا يعلم معاني القرآن الذي أنزل عليه، أو كان يعلمها ولم يبلغها كلها مع أنه مأمور من الله بالتبليغ، وكل ذلك غير معقول ولا مقبول.
وأما النوع الآخر من التأويل، الذي قال به كثير من فلاسفة الإسلام ومتصوفيه ورجال علم الكلام، فهو أمر آخر غير النوع الأول. إنه في اصطلاحهم الخاص، كما يذكر ابن تيمية نفسه «صرف اللفظ عن المعنى المدلول عليه المفهوم منه إلى معنى آخر يخالف ذلك»؛ أي صرف اللفظ عن معناه الظاهري إلى معنى آخر خفي.
Página desconocida