وخلق الأرض وقدر حاجتها من المطر، وقدر السحاب وما يحمله من المطر، وخلق ملائكة هداهم ليسوقوا ذلك السحاب إلى تلك الأرض فيمطر المطر الذي قدره وقدر ما نبت بها من الرزق، وقدر حاجة العباد إلى ذلك الرزق وهداهم إلى ذلك الرزق، وهدى من يسوق ذلك الرزق إليهم.»
5
وإلى هنا لا نجد ابن تيمية يتعرض للإنسان وهل هو خالق لأفعاله ومنها طاعة الله وعصيانه، أم الكل مخلوق لله قدره عليه أزلا؟ ذلك هو محل النزاع بين الفرق الكلامية، وبخاصة أهل السنة والمعتزلة أو القدرية، وهذا ما أخذ ابن تيمية يتكلم فيه حين تعرض لأقوال رجال علم التفسير السابقين.
إنه يقول بعد ما تقدم مباشرة، بأن المفسرين ذكروا أنواعا من تقدير الله وهدايته لخلقه، فهذا ابن جرير الطبري يروي عن قتادة في بيان معنى هذه الآية أن الله قدر الإنسان للشقاوة والسعادة، ومعنى هذا أن الله أراد أفعال الإنسان كلها وقدرها عليه وهداه إليها، وهو في ذلك يمثل آراء أهل السنة الذين يرجعون كل شيء لله.
ثم يذكر عن قتادة أنه قال: «لا والله، ما أكره الله عبدا على معصية قط، ولا على ضلالة، ولا رضيها له ولا أمره (أي بها)، ولكن رضي لكم الطاعة فأمركم بها، ونهاكم عن المعصية.»
ولا يرى الشيخ رحمه الله بأسا فيما نقل عن قتادة من أن الله لم يكره أحدا على معصيته، فهذا صحيح؛ وذلك بأن أهل السنة، الذين يثبتون تقدير الله لما كان ويكون، على اتفاق بأنه تعالى لا يكره أحدا على معصيته كما يكره الوالي والقاضي وغيرهما، بالعقوبة والوعيد الإنسان بأن يعمل خلاف ما يريد.
بل إنه سبحانه وتعالى هو الذي يخلق إرادة العبد للعمل، كما يخلق قدرته وعمله، وهو خالق كل شيء.
ومع هذا التأميل الطيب لرأي قتادة وكلمته، فإنه لم يسلم من أن يتهم بالميل إلى آراء المعتزلة؛ ولذلك نجد ابن تيمية نفسه يقول في هذا ما نصه: «وهذا الذي قاله قتادة قد يظن فيه أنه من قول القدرية (أي المعتزلة)، وأنه لسبب مثل هذا اتهم قتادة بالقدر، حتى قيل إن مالكا كره لمعمر أنه يروي عنه التفسير لكونه اتهم بالقدر.»
6
ثم يمضي الشيخ رحمه الله في سيره حتى ينتهي من الكلام على هذه الآية، وبعدها يتناول ما يتلوها حتى ينتهي من السورة كلها، وهو في سيره الطويل يتعرض إلى ما يتصل بسبب إلى الآية التي يفسرها من آيات في سور أخرى، وما أكثر هذه الآيات الأخرى التي تجيء عرضا فيشبع القول فيها أيضا!
Página desconocida