لا انا ولا انت نستعجل الظنون، بل سيجيبنا اقرب الناس اليه واعزهم عليه والذى تولى نشر افكاره من بعده، تلميذه ورفيقه ابن القيم الجوزيه، الذى يصف لنا مشهدا وقف عليه، فقال معجبا بفطنه شيخه وسرعه بديهته: بحث الشيخ مع قوم فاحتجوا عليه بحديث انكره، فلما اظهروا له النقل ووقف عليه، القى المجلد من يده غيظا! فقالوا له: ما انت الا جرى ء، ترمى المجلد من يدك وهو كتاب علم؟! فقال سريعا: ايما خير انا او موسى؟ وايما خير هذا الكتاب او الواح الجوهر؟ ان موسى لما غضب القى الالواح من يده! عجبوا لفرط ذكائه الذى اخرجه من وقع الهزيمه امام خصومه، ونسوا ان الذكاء حق الذكاء في الرجوع الى الحق بعد معرفته، ولطالما مجد ابن تيميه رجالا من السلف يفتى احدهم في مساله لم يبلغه فيها نقل عن النبى (ص)، فيتبع فتواه بقوله: هذا ما بلغه اجتهادى، فاذا وصلكم حديث عن النبى في هذا فهو مذهبى، فدعوا قولى وخذوا بالحديث. فاين هذا من ذاك؟!
مع الفلسفه :
ونشا ابن تيميه في اجواء تلعن الفلسفه والفلاسفه وتنسبهم الى الضلال، وكان من عرف بالفلسفه يوذى ويعذب حتى يدعها او يقتل، وكثرت في ذلك فتاوى العلماء. ومن اشهرها فتوى تقى الدين ابن الصلاح (ت 643 ه ) وقد سئل عن المنطق والفلسفه، فقال: الفلسفه اس السفه والانحلال، وماده الحيره والضلال، ومثار الزيغ والزندقه، فالواجب على السلطان ان يدفع عن المسلمين شر هولاء المياشيم، ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفه على السيف او الاسلام.
ووجد ابن تيميه ان هذه الاجواء والمواقف تناسب عقيده امامه احمد بن حنبل، الذى كان ينهى عن الفلسفه والكلام ويحذر من مجالسه المتكلمين، فيقول: لا تجالسوا اهل الكلام وان ذبوا عن السنه.
Página 40