ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Editorial
دار الفكر العربي
إذ قد تجاوزوا المائة، وما يتجاوز المائة لا يحصى على اصطلاح بعض الفقهاء، وهو الرأي المختار، ونستطيع أن نقول إن كل علماء عصره علموا قدر علمه، حتى من ناوأه وحاول إيذاءه، لأنه قد ضاق صدره حرجا بمخالفته، وما يأتي به من جديد وإن كان يستمد من القديم قوته فلم يوافق عليه.
١٠٥- ولنختر من بين هذا الحجم الغفير أربعة من المعاصرين، وبعضهم كان من حيث السن والسبق له بمنزلة الشيخ من التلميذ، وهو ابن دقيق العيد الذي مات في سنة ٧٠٢، فقد قال فيه سنة ٧٠٠ ((هو رجل حفظة)) فقيل له، فهلا تكلمت معه فقال ((هذا رجل يحب الكلام، وأنا أحب السكوت)) وقال فيه أيضاً: «لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد».
وقال فيه معاصره الحافظ الذهبي: ((له باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين، قل أن يتكلم في مسألة إلا يذكر فيها مذاهب الأربعة، وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة، وصنف فيها، واحتج لها بالكتاب والسنة، ولما كان معتقلا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له مروياته، وينص على أسماء جملة منها، فكتب في عشر ورقات جملة من ذلك بأسانيدها من حفظه، بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكثر محدث يكون، وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين، بل بما قام الدليل عليه عنده، ولقد نصر السنة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات، أحجم عنها الأولون والآخرون، وهابوا، وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياماً لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه وكاتبوه، وهو لا يداهن، ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال مع ما اشتهر به من الورع وكمال الفكر وسرعة الإدراك، ويقول فيه أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري المصري الذي أدركه فقد قال عند رؤيته: ((ألفيته من أدرك من العلوم حظاً وكان يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته؟ أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر الحديث فهو صاحب علمه ودرايته، أو حاضر بالملل والنحل لم تر أوسع من نحلته
94