ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Editorial
دار الفكر العربي
أن خرج من السجن علم أن ذلك ربما لا يرضى أمه، لأنها تريد أن تكتحل عينها برؤيته، فكتب إليها الكتاب التالي:
من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من إمائه وخدمه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو الحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وسلم تسليما.
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة. نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد، وأياديه جلت عن التعداد.
وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا، ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهراً واحداً، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم. وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا وللمسلمين ما فيه خيرة وعافية)).
((وقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة، والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر مستخيرون الله سبحانه وتعالى، فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئاً من أمور الدنيا قط، بل لا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثم أمور كبار تخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب)):
((والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة؛ فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر،
63