26

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Editorial

دار الفكر العربي

بنو أيوب في نشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العقائد، على أنه السنة التي يجب اتباعها، والطريقة التي يجب انتهاجها! وقد كان لذلك المذهب فضل انتشار في الغرب كما هو في الشرق.

حتى لم يكن شيء يخالفه إلا ما كان عليه الحنابلة (١) وكان الحنابلة يسلكون في دراسة عقائدهم مسلكهم في دراسة الفقه. يستخرجون العقائد من النصوص، كما يستخرجون الأحكام الفرعية من النصوص، لأن الدين مجموع الأمرين، فما يسلك في تعرف أحدهما يسلك لا محالة لاستخراج الثاني، وكانت في القرآن آيات فيه وصف الله سبحانه وتعالى بما يفيد في ظاهره التشبيه بالحوادث، وفي الأحاديث ما يشبه ذلك فكانوا يفسرونها على مقتضى ما تؤديه اللغة بحقيقتها ومجازها.

أما الأشاعرة فيسلكون في تعريف العقائد مسلك الاستدلال العقلي والبرهان المنطقي، وذلك لأن شيخهم أبا الحسن الأشعري نشأ في أولى حياته نشأة اعتزالية فأتقن طرائقهم في الاستدلال، ثم خالفهم في النتائج التي وصلوا إليها، ونازلهم بالحجة والبرهان، وبالطريقة التي يتقنونها، ولذلك كانت طرائقه تتفق مع طرائقهم، وإن اختلفت النتائج، وحاربهم بالأسلحة التي يجيدونها، وقد درب هو عليها. ولهذا الخلاف في المنهج بين الحنابلة وبين الأشاعرة في إثبات العقائد وفهمها كانت المدارس الأشعرية متميزة في جانب، والحنابلة في جانب آخر، وينهم بعض المناوشات الكلامية، رمى فيها الحنابلة بالتجسيم.

(١) قال المقريزي في خططه ((حفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد النيسابوري، وصار يحفظها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر، وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيامهم كافة الناس على التزامه، فتادت الحال على ذلك في جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الأتراك. وكذا فعل ابن تومرت في المغرب بعد أن أخذ عن الغزالي مذهب الأشعري، وكان هذا هو السبب في انتشار مذهب الأشعري في الأمصار، حتى لم يبق مذهب يخالفه إلا أن يكون المتبعون مذهب ابن حنبل، فإنهم كانوا على ما عليه السلطان.

25