Hijo del Sultán: y otras historias
ابن السلطان: وقصص أخرى
Géneros
قال: كله بأمر الله. المهم أن العروسة وصلت هي وأمها.
والتفت ورائي فلاحظت أن السيدتين اللتين كانتا تشغلان المقعد الخلفي قد اختفتا. ولم أدر كيف فات علي أن ألاحظهما وهما يغادران العربة ولا كيف فاتني أن أودعهما بتحية مناسبة. قلت أداري خجلي: يظهر أنني رحت في نومة. ضحك السائق ضحكته الخشنة وقال: النائم مصيره يصحى. المهم حمدا لله على السلامة.
كنا قد وصلنا حقا. نزلت على الطريق الزراعي وعبرت خط السكة الحديدية وأنا أجري. كل شيء كان يضطرب في كياني. والدموع التي حبستها طوال الطريق كأنها أحجار انحدرت في جوفي. وعندما وصلت إلى البيت فتح أبي الباب. وأخذني بالحضن وقال وهو يبتسم: حمدا لله على السلامة. قلت: أمي. أين أمي؟ قال وهو يضحك: بخير. اطمئن (ثم وهو يتحسس ذراعي القوية) ادخل عندها. الدكتور هناك. أمك محتاجة لنقل دم.
1959م
القضية
كل من يمر على ميدان السيدة كان يراها. في عز الحر والشمس تلهب الوجوه وتخنق الأنفاس، وفي عز البرد والناس تهرب من المطر تحت مظلة الترام، يرونها متربعة على الرصيف، كأنها جذع شجرة قديمة مغروسة في الأرض، بملابسها السوداء المعفرة بالتراب، ورأسها الأبيض المنفوش الشعر، ووجهها المنتفخ الأسمر المحترق بشواظ الشمس، وصوتها الذي يجلجل ويدوي كأنما ينبعث من أسطوانة قديمة تردد عبارة واحدة لا تتغير: الولد أخذوه من أمه وأبوه. السياسية والجاسوسية والإنجليز واليهود. وبتوع السيما والتمثيل والسكة الحديد. قطعوا راسه وحلقوا شعره وأخذوا الولد من أمه وأبوه. والقضية يوم تسعة شهر تسعة سنة تسعة وتسعين. وعمه وخاله وأخوه راحوا المحكمة وقابلوا القاضي لأجل يشوف الطالع ويعد النجوم. السياسية والجاسوسية وبتوع التمثيل أخذوا الولد من أمه وأبوه. والقضية يوم تسعة شهر تسعة ...
كانت الكلمات تخرج من فمها سريعة كالطلقات، بينما ترتفع ذقنها وتميل رأسها إلى الوراء وتجول عيناها المتعبتان التائهتان في يأس بين الوجوه التي يتصادف أن تتحلق حولها أو تطل عليها من نوافذ الأوتوبيسات العابرة، تنفرج شفتاها الجافتان عما يشبه ابتسامة ليس فيها سخرية ولا فرح، كأنها تعرف سلفا أنه لن يلتفت إليها أحد مهما ارتفع صوتها وطغى على أصوات الترام والمركبات وصياح الباعة والأطفال، أو كأنها تعرف أنها حتى ولو اهتم بها الناس أو جاءوا يسألونها عن حكايتها فلن تهتم هي بأحد.
كانت تلقي عباراتها كأنها تسمع درسا تحفظه عن ظهر قلب، في لهفة وغلظة واندفاع من يخشى أن يفاجئه الموت قبل أن يتم كلماته المعدودة. وكان في عينيها اللذين بديا كدمعتين كبيرتين جافتين استسلام مفجع لواجبها القاسي، وشماتة رهيبة بمن يسوقهم الحظ إلى سماعها، وضراعة من يستغيث مع أنه يعرف أنه ألقي به في الجب ولن ينقذه أحد. وكان من عادة الناس أن يسمعوها كل يوم. تنبح وتهاتي كالكلب العجوز الذي فقد سيده، حتى أصبحت ظاهرة حية في الميدان، مثل الساعة البيضاء المعلقة في وسطه، والمخبأ المهجور الذي صار ملجأ للمتشردين واللصوص والشحاذين والذين لا يجدون دورة مياه قريبة، ومحطة الترام التي لا يغادرها الحلاقون الجالسون على الرصيف تحت مظلاتهم الصغيرة، وناظر المحطة الذي تلعلع صفارته في كل لحظة لتدير الحركة، وطوابير المنتظرين أمام محال السندوتش وشباك الترسو في السينما المواجهة لها. ولم يكن يخلو الأمر من مداعبة أحد السائقين أو الكمسارية لها، إرضاء لحب استطلاع الناس لا عطفا على تلك التي يعرف بخبرته أنها لم تعد تفهم شيئا عن العطف. كان يتقدم منها في حذر ويقف أمامها وجها لوجه وكأنه يحاول أن يثبت عينيه في عينيها التائهتين على الدوام. وكان يختلس لحظة الصمت التي تستريح فيها لتأخذ نفسها قبل أن تدور الدورة من جديد فيسألها في خبث الأطفال: الولد لقوه يا حاجة؟
فتجيب دون أن تنظر إليه: الولد أخذوه من أمه وأبوه.
ويسأل: من هم؟
Página desconocida