وتنقلنا مسألة الكليات من المنطق إلى ما بعد الطبيعة، وقد أدلى الفارابي - حول هذا الموضوع - بعض الآراء العميقة بكلمات قليلة. ويسأل (14) كيف يجب فهم نظام الجواهر المتساندة؟ فيجيب: إن الجواهر الأولى هي الأفراد، وهي لا تحتاج إلى غيرها حتى تكون. وأما الجواهر الثانية، فهي الأنواع والأجناس التي تحتاج إلى الأفراد حتى تكون؛ ولهذا فإن الأفراد سابقة في الجوهرية، وهي أحق باسم الجوهرية من الأجناس، غير أن مؤلفنا يقول، بذوقه في الحلول المتضادة الذي يتسم به كما يلوح، وذلك من وجهة نظر أخرى: إن الكليات ثابتة دائمة قائمة؛ ولهذا فهي أحق باسم الجوهر من الأفراد الزائلة.
وهنالك يسأل عن (10) كيفية وجود الكليات، فيقول: إن الكليات لا توجد بالفعل، وإنما توجد بالأفراد فقط، وهنالك يكون وجودها عرضيا، وهذا لا يعني أن الكليات أعراض، وإنما يعني أن وجودها بالفعل لا يمكن أن يكون إلا بالأعراض. (39 و40) ويوجد نوعان للكليات، يقابلهما نوعان للأشخاص، ولا يكون الجوهر في موضوع معين؛ أي في مادة، ولا تعرف ذاته بموضوعات، ولا يمكن أن تعرف أشخاص هذا النوع إلا بكلياتها، ولا توجد هذه الكليات في غير هذه الأشخاص، ويعرف شخص العرض بموضوعات معينة، وذلك ككلية العرض التي تكون في موضوعات.
والآن، يمكن أن يحكم - بما فيه الكفاية - في أسلوب منطق الفارابي، الذي يدل به في مجموعه على علم عميق بالمنطقيات وإيساغوجي، وإن كان حادا مقحاما في جزئياته.
وعندنا كتاب رئيس لدراسة علم النفس لدى مؤلفنا، أعني الرسالة التي نشرها ديتريسي حول معنى كلمة العقل، وقد كان لهذه الرسالة - الناضجة الأسلوب نسبيا - أهمية عظيمة في القرون الوسطى، وقد طبعت ترجمتها اللاتينية عدة مرات في عصر النهضة بعنوان العقل، أو العقل والمعقول،
14
وتجد لمنك
15
تحليلا لها.
وفي هذه الرسالة التي يتناول بها الفارابي ذات المسألة في رسالة العقل للكندي، ولكن مع دقة ووضوح أكثر مما في هذه بدرجات، يعنى الفارابي بتحديد مختلف المعاني، التي استعملت بها كلمة العقل من قبل العوام الفلاسفة.
فالإنسان العاقل عند العوام هو الفاضل الصحيح الرأي، الذي يعرف ما يجب أن يصنع من الخير ويجتنب من الشر، ولا يقال عن الإنسان البارع في الشر إنه عاقل، بل يقال إنه خبيث ماكر.
Página desconocida