وكان سلامان - لشدة شغفه بأبسال - لا يصغي لكلام الملك، فرجع إلى بيته، وحكى كل ما جرى له مع الملك لأبسال على طريق المشورة، فقالت المرأة: «لا يقرعن سمعك قول الرجل؛ فإنه يريد أن يفوت عليك اللذة بمواعيد أكثرها أباطيل وأجلها مخاييل. والتقدم بالأمر عزمة، وإني امرأة مأمورة لك بكل ما تطيب به نفسك وتشتهي، فإن كنت ذا عقل وحزم فاكشف للملك عن سرك بأن لست تاركي ولست بتاركة لك.»
وذهب الصبي لينقل كلام أبسال، لا للملك، بل لوزيره الذي رواه للملك بدوره، فلما بلغ الملك هذا الأمر تأسف على ولده، ودعاه إليه ليوجه إليه نصائح جديدة، ولكن الملك أبصر أنه لم يسطع أن ينفذ روحه، فعن له أن يقوم بتسوية، فقال له: «فإن كان ولا بد، فاجعل حظك قسمين، أحد القسمين تشتغل بالاستفادة من الحكماء، والثاني تأخذ لنفسك منها ما تظنه لذة.»
فقبل سلامان ذلك، ولكنه - وهو يشتغل في نصف من الوقت - كان ذهنه مشغولا بالنصف الآخر، ويعلم الملك ذلك، ويعزم على استشارة الحكماء حتى يهلك أبسال، وكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة التي بقيت له كيما يتخلص منها، فوجه الحكماء لومهم إلى هذه الخطة، وقام جواب الوزير إلى الملك على كون هذا القتل يضعضع عرشه من غير أن يفتح له بابا في زمرة الكروبيين.
ويصل صدى هذا الكلام إلى سلامان، الذي أهرع إلى أبسال ليبلغها إياه، ويبحثان معا عن السبيل لإحباط خطط الملك، وليكونا في مأمن من غضبه، فتقرر عزمهما على الفرار إلى وراء بحر المغرب، ويسكنان هناك.
والواقع أنه كان عند الملك - بفضل علمه السحر - قصبتان من ذهب، وعليهما سبعة مواضع من الصفارات، يصفر فيها لكل إقليم فيطلع على ما يريده من ذلك الإقليم، وهكذا اطلع على المكان الذي انزوى فيه سلامان وأبسال، فوجدهما على أسوأ حال من الغربة وضيق الحال، فرق لهما في بدء الأمر، وأمر بإرسال ما يكفي كل واحد منهما، ثم غضب بعد مدة على روحانيات شهوتهما، فأمر بتعذيبهما، في سواء هيامهما، بأرواح أخذت تجري عليهما رغبات يتعذر عليهما قضاؤها.
وأدرك سلامان أن هذه المكاره تأتيه من أبيه، فقام وجاء إلى باب الملك معتذرا مستغفرا ومعه أبسال، فطلب الملك منه أن يصرف أبسال، مكررا له أنه لا يستطيع أن يجلس على العرش ما دام محتفظا بها؛ وذلك لأن هذه المرأة والملك يطالبان به كاملا، وأن أبسال تكون متعلقة برجله هو، على حين يكون هو متعلقا به بيده، فيحول هذا دون بلوغه عرش الأفلاك أيضا، قال الملك هذا، وأمر أن يتعلقا يوما تاما على الوضع المذكور في هذا المثال، فلما كان الليل فكا فأخذ كل منهما بيد صاحبه، وألقيا بأنفسهما في البحر.
وكان هرمانوس يرقبهما في تلك الأثناء، فأمر روحانية الماء بأن تحفظ سلامان حتى يرسل جماعة للبحث عنه، وأما أبسال فقد تركها تغرق.
فلما تحقق سلامان أن أبسال قد غرقت كاد يشرف على الموت ألما وصار كالمجنون، فاستشار الملك إقليقولاس الحكيم، معربا عن رجائه أن يرى الصبي ثانية، ويحضر الصبي، ويسأله الحكيم عن رغبته في وصال أبسال، فقال الصبي: «وكيف لا أريد ذلك؟» فقال الحكيم: «تعال معي إلى مغارة ساريقون حتى أدعو وتدعو أربعين يوما، فإن أبسال تعود إليك بهذا العمل»، ومضيا إلى المغارة معا، ووضع الحكيم، لقيامه بوعده، ثلاثة شروط، وهي: ألا يكتم الصبي عنه شيئا، أن يقتدي الصبي به في أفعاله خلا تخفيف في أمر الصوم، وألا يحب الصبي امرأة غير أبسال ما دام حيا.
هنالك أخذا يدعوان الزهرة، وكان سلامان يرى كل يوم صورة أبسال تتردد إليه، وتجالسه وتكلمه، فيحكي للحكيم كل ما رأى وسمع.
فلما كان يوم الأربعين ظهرت صورة عجيبة وشكل غريب، فائق لكل حسن وجمال، وهذه صورة الزهرة، فشغف سلامان بهذه الصورة شغفا شديدا أنساه حب أبسال، فقال للحكيم: «لست أريد أبسال، ولا أريد إلا هذه الصورة»، فقال له الحكيم: «ألست قد شرطت عليك أن لا تعشق أحدا غير أبسال، وقد تعبنا هذه المدة حتى قارب أن يستجاب لنا في عود أبسال إليك؟» فقال سلامان: «أغثني، فإني لا أريد إلا هذه الصورة».
Página desconocida