وذهب محمد إلى التدرج النبوي؛ فقد قال:
لكل أجل كتاب (13: 39). ولا تتناقض هذه الكتب، وإنما يوضح بعضها بعضا وتتكامل، وتكون هذه الفكرة الجميلة بنفسها - والتي هي على شيء من الفتون - ضارة بالإسلام؛ فقد تناولها كثير من الفرق إضافة إلى القرآن وحيا جديدا تحت ستار تفسيره، فكانت تقوضه.
ويحفظ القرآن لعيسى لقب «كلمة الله»، بيد أن هذه الكلمة عادة لا يكون لها أي معنى معين في فكرة الوحي القرآنية.
ويجب أن تذكر نظرية الملائكة ليذكر - فقط - أنها لا تسلم بشيء لنظريات الفيوضات الأدرية، وكانت نفس محمد ثابتة جدا حول النقطة الأساسية للوحدانية الإلهية، وهي لا تترك أي مجال تفاجأ به من هذه الناحية؛ فالملائكة الذين يقول بهم مع الجن مخلوقون منفصلون عن الله كانفصال الناس عنه، ولهم وظائف عند الله، ومنها أنهم يدبرون حركات الطبيعة الكبيرة، وأنهم رسل بين الله والإنسان. وعرف محمد مبدأ الفلك، ولكنه لم يكن لديه حس عن مبدأ إدراك الأفلاك إلا بالمقدار الذي كان ضروريا لتحريم عبادة الكواكب، وقد قال ببعض القوى السحرية التي حكم عليها من غير أن يبالي بإيضاحها.
ومجمل القول: أنه يمكن أن يقضى في أمر محمد - مثل فيلسوف - بأنه معتدل حكيم بصير عملي خلقي أكثر من أن يكون لاهوتيا بدرجات، وبأنه أبدع لاهوتية عالية ثابتة محاكية للاهوتية التوراة، وقد نزه بجمال شعوره عن كل تطرف ساق إليه متكلمون لاحقون، ولم تسمح أميته النسبية له بأن يتوقع أيا من المصاعب التي سوف يثيرها البحث الفلسفي بعده.
الفصل الثاني
المعتزلة
النظريات الأساسية عند المعتزلة - صفات الله والقدر والاختيار - المعتزلة في كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني - ظهور مسألة الاختيار قبل المعتزلة - واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد - الاتصال بالفكر اليوناني - العلاف والنظام - معمر بن عباد السلمي - مذهب التناسخ - الجاحظ - الجبائي وأبو هاشم - الكرامية ومحمد بن كرام. ***
أخذت لاهوتية القرآن تكون موضوعا للبحث الفلسفي منذ القرن الأول من الهجرة؛ ولذا فإن حركة فلسفية تلقائية حدثت في الإسلام قبل إدخال كتب الفلسفة اليونانية إليه، ويمحص هذا البحث النظري، ويصير أكثر تركيبا كلما أشعر المؤثر اليوناني بنفسه، ومن حب الاطلاع أن ترقب تحولات هذه اللاهوتية حتى الزمن الذي ترجمت فيه كتب الأوائل وأدركت تماما، فبرزت المسألة السكلاسية، وقد تألفت أهم سلالة للعلماء، الذين امتازوا في هذا الدور من الفرقة التي تعرف بالمعتزلة.
والنظريات الأساسية التي تناولها المعتزلة بالدرس هي نظريات صفات الله ونظرية القدر والاختيار. وقد تناولت مناقشاتهم مسألة من النظام السياسي كان لها شأن كبير في التاريخ الإسلامي؛ أي ما العلامات التي يعرف بها الإمام الشرعي. والإمام - كما يذكر - هو رئيس الجماعة الإسلامية؛ أي الخليفة أو السلطان. وقد قامت حول هذا الموضوع فرق كثيرة، ارتبط كل منها في بعض المعتقدات اللاهوتية مع اعتقاد سياسي خاص.
Página desconocida