Ibn Sina, el Filósofo
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Géneros
وقد قام الأتراك في الدولة بأعمال كثيرة مذمومة، منها: أنهم قتلوا المعتز شر قتلة؛ إذ إنهم جروه برجله إلى الباب، وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس بالدار، فكان يرفع رجلا ويضع أخرى لشدة الحر، وبعضهم يلطمه بيده؛ والمستكفي سملوا عينيه، ثم حبسوه حتى مات في السجن ...
وكان أهل البلاد يهابون الأتراك ويخافون بطشهم، فإذا جاءوا بلدا خافهم أهله كثيرا؛ إذ كانوا ينزلون في دور الناس، ويتعرضون للحرم والغلمان، فشرعت العامة تكرههم شديدا.
ولما وصلت الدولة العباسية إلى ما تقدم من فساد الأمور والفوضى في سلطتها وأحكامها بين الفرس والأتراك، أو بين الوزراء والأجناد، أو بين الخدم والنساء، وذهبت هيبة الخلفاء بما أصابهم من التضييق والاحتقار، هان على عمالهم في أطراف المملكة أن ينفصلوا عنهم بأحكامهم الإدارية والسياسية، وأن يستأثروا بجباية الأموال، وجميع أعمالهم وهو الاستقلال، وكان أسبقهم إليه أبعدهم عن مركز الخلافة، ومن جراء ذلك تشعبت المملكة العباسية، ونشأ في ظل العباسيين دويلات فارسية وأخرى تركية، إلا أن الإمارات الفارسية لم تمكث طويلا حتى قامت دولة آل بويه، وهي أكبر دولة فارسية شيعية ظهرت في الشرق في عهد ذلك التمدن بظل الدولة العباسية، واستمر حكم آل بويه من سنة 320-447ه؛ أي إن هذه الدولة قد انقرضت في أيام ابن سينا.
وعلى غرار الفرس طبع الأتراك؛ أي إنهم لما قويت شوكتهم في الدولة وهابهم الخلفاء، طمع بعضهم في الولايات كما طمع الفرس، فاستقلوا بها فنبتت للدولة العباسية فروع تركية خارج بلاد فارس، كما نبتت الفروع الفارسية في بلاد فارس. والدولة التركية التي عمرت أكثر من غيرها هي الدولة الغزنوية التي كان مقرها أفغانستان والهند، وظلت من سنة 351-582ه.
على أن هذه الإمارات ابتدأت فروعا للمملكة العباسية؛ أي كان أمراؤها وسلاطينها من عمال الدولة العباسية أو قوادها. وكانت السنة قد تقوت بظهور الإمارات التركية، فلما قامت دولة آل بويه بالعراق وفارس، وعاصرتها الدولة الفاطمية بمصر عظم أمر الشيعة في العالم الإسلامي، وتضعضعت السنة فتشتت شأن المملكة العباسية. ثم ظهرت الدولة التركية الكبرى في أواسط القرن الخامس، وتعرف بالدولة السلجوقية نسبة إلى جدها سلجوق، فجاءت في حال الحاجة إليها؛ لأنها لمت شعث المملكة العباسية، ونصرت مذهبها (السنة) بعد أن كادت تضمحل بين الشيعة، إلا أن هذه الدولة قد تفرعت أيضا إلى دول كثيرة، لكنها عرفت باسم واحد.
تجاه هذه المنازعات السياسية نرى العرب يلمون شعثهم، ويشيدون الإمارات العربية، ويشدون أزر العنصر العربي، وقد ساعدهم على ذلك ما قام من الفتن والحروب بين الخلفاء العباسيين ووزرائهم الفرس وأجنادهم الأتراك في القرن الرابع للهجرة، ورأوا الفرس والترك يستقلون بولاياتهم فقلدوهم، فاستقل آل حمدان من بني تغلب بالموصل وحلب وغيرهما سنة 317-394ه، وكانت دولتهم عربية أحيوا بها معالم الآداب، ثم وجدت غير هذه دويلات عربية أخرى نضرب عن ذكرها خوف التطويل.
وبسبب هذا التقهقر السياسي تقهقرت الأخلاق والآداب، ولعل التقهقر الخلقي كان علة التقهقر السياسي، وعمت الفوضى، وكثر الفحش والتهتك حتى في دور الخلفاء، وتعرض الشعراء للنيل من عرض الملوك. قال أحدهم في الأمين:
ألا يا أيها المثوى بطوس
عزيبا ما تفادى بالنفوس
لقد أبقيت للخصيان هقلا
Página desconocida