ونشأ منهم في هذه السمحة البيضا شياطين إنس يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون! يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون؛ فكانوا عليها أضر من أهل الكتاب، وأبعد عن الرجعة إلى الله والمآب؛ لأن الكتابي يجتهد في ضلال، ويجد في كلال، وهؤلاء جهدهم التعطيل، وقصاراهم التمويه والتخبيل.
دبت عقاربهم في الآفاق برهة من الزمان، إلى أن أطلعنا الله سبحانه منهم على رجال كان الدهر قد أملى لهم على شدة حروبهم، وأعفى عنهم سنين على كثرة ذنوبهم، وما أملي لهم إلا ليزدادوا إثما، وما أمهلوا إلا ليأخذهم الله الذي لا إله إلا هو، وسع كل شيء علما.
وما زلنا - وصل الله كرامتكم - نذكرهم على مقدار ظننا فيهم، وندعوهم على بصيرة إلى ما يقربهم إلى الله سبحانه ويدنيهم، فلما أراد الله فضيحة عمايتهم، وكشف غوايتهم؟ وقف لبعضهم على كتب مسطورة في الضلال، موجبة أخذ صاحبها بالشمال، ظاهرها موشح بكتاب الله، وباطنها مصرح بالإعراض عن الله، لبس منها الإيمان بالظلم، وجيء منها بالحرب الزبون في صورة السلم، مزلة للأقدام، وهم يدب في باطن الإسلام، أسياف أهل الصليب دونها مفلولة، وأيديهم عما يناله هؤلاء مغلولة؛ فإنهم يوافقون الأمة في ظاهرهم وزيهم ولسانهم، ويخالفونهم بباطنهم وغيهم وبهتانهم.
فلما وقفنا منهم على ما هو قذى في جفن الدين، ونكتة سوداء في صفحة النور المبين، نبذناهم في الله نبذ النواة، وأبغضناهم في الله كما أننا نحب المؤمنين في الله، وقلنا: اللهم إن دينك هو الحق اليقين، وعبادك هم الموصوفون بالمتقين، وهؤلاء قد صدفوا عن آياتك، وعميت أبصارهم وبصائرهم عن بيناتك، فباعد أسفارهم، وألحق بهم أشياعهم حيث كانوا وأنصارهم، ولم يكن بينهم إلا قليل وبين الإلجام بالسيف في مجال ألسنتهم، والإيقاظ بحده من غفلتهم وسنتهم، ولكنهم وقفوا موقف الخزي والهون، ثم طردوا من رحمة الله، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
فاحذروا - وفقكم الله - هذه الشرذمة على الإيمان حذركم من السموم السارية في الأبدان، ومن عثر له على كتاب من كتبهم؛ فجزاؤه النار التي بها يعذب أربابه، وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه ومآبه، ومتى عثر منهم على مجد في غلوائه، عم عن سبيل استقامته واهتدائه، فليعاجل بالتثقيف والتعريف.
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ،
أولئك الذين حبطت أعمالهم ،
أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون .
والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم، ويكتب في صحائف الأبرار تضافركم على الحق واجتماعكم. إنه منعم كريم!
هذا هو المنشور الذي كتبه الحقد والحسد والهوى والتعصب، والذي كان له - وقد ذاع في طول البلاد وعرضها - أثر كبير في تنفير الخاصة والعامة من ابن رشد وصحبه الذين نفوا بسببه، حتى إن أبا الحسن بن قطرال يروى عنه أنه قال: أعظم ما طرأ علي في النكبة أني دخلت أنا وولدي عبد الله مسجدا بقرطبة وقد حانت صلاة العصر، فثار لنا بعض سفلة العامة فأخرجونا منه!
Página desconocida