Ibn Rumi: Su vida a través de su poesía
ابن الرومي: حياته من شعره
Géneros
رأسها في مقادتي مجنوب
فحسب الإنسان في ذلك العصر أن تلوح عليه شبهة من السعد أو النحس فيقال: إنه مسعود أو منحوس، ثم تلزمه التهمة وتلصق به طول حياته، وتشتد لصوقا به إذا كان في أحواله وأخلاقه ما يغري الناس بالإلحاح فيها والإصرار عليها، وهل كان شيء من ذلك ناقصا عند ابن الرومي؟ كلا، بل عنده كل شبهة النحس؛ لأنه كان عالما ذكيا ولا حظوة ولا جاه، فما الذي يحول بينه وبين حظوة أمثاله إلا أن يكون الجد العاثر، والطالع المشئوم؟ ولأنه فقد أباه وأمه وأخاه وزوجته وأبناءه، وعاش بعدهم كئيبا حزينا مستهدفا للبلاء من الأيام والناس، وهل يفقد كل هؤلاء ويعيش بعدهم في تلك الحال إلا المنكود المرزأ المنحوس؟ ولأنه مني كما رأينا بالجراد في ضيعته، والحريق في ماله، والضياع في عقاره، وهل يمنى بذلك - مع مصائب الموت والضنك - إلا من شمله النحس في شبكة لا نجاة منها لمشبوك؟
ثم هل كان ابن الرومي مبرأ من تلك الخلائق التي تغري به أهل العبث والمجون، فيلحون عليه بتهمة الشؤم، ويتفكهون بما يؤلمه من ذلك ويؤذيه؟ لا، بل كان الرجل أول المتفائلين المتشائمين، وأول من يسوغ للناس التباشر والتطير، ولزمته الحجة من ذكائه وإدبار حظه، ومن مصائبه في ذويه وصحبه، فكان الذكاء نكبة عليه تعد في النكبات والمصائب ضعفين: ما يصيبه من شرها، وما يصيبه من سمعة نحسها، وولع العابثين بالسخر منها، وإنه لمصاب عظيم.
ولقد رأينا أن أخاه أبا جعفر كان يكتب لرجل، فعزل الرجل بعد مدة، فعبث به أصدقاؤه آل أبي شيخ وقالوا له: «إنما عزله شؤمك.» كأن حديث الشؤم والسعد كان حديثهما في كل نكبة، وفي كل نعمة، ولو أنصف القوم لكانوا كلهم مشئومين منحوسين، إذ كانوا كلهم قد فجعوا في الأصحاب والأنصار، وشهدوا نكبات الأخيار والأشرار، وإذا كان ابن الرومي قد فقد أعداءه كما فقد أحبابه، فلا فضل لشؤمه على سعده، ولا رجحان لطوالع الخيرات فيه على طوالع الشرور، ولكنها الحظوظ التي لا تعرف القسط في الموازين! ومن الحظوظ التي ألممنا بأسبابها أن يكون ابن الرومي منفردا بسمعة الشؤم في ذلك العصر دون سائر المشئومين!
وسواد الناس لا ينصفون مختارين، ثم هم لا ينصفون إذا كان الإنصاف يكلفهم واجبا، أو يحرمهم فكاهة يضحكون منها! فليس لابن الرومي إذن إلا أن يبوء وحده بجريرة ضعفه وعقائد زمنه، فغاية الحكم فيه أنه ولد مقضيا عليه بالفشل، وعاش في زمن لا رحمة فيه لمثله، ووجب أن يترك لقضائه يصنع به ما لا حيلة في دفعه.
إن من الباحثين من يرى أن رجال الفنون في الجماعات الإنسانية كالأطفال في الأسرة، لا بد لهم من رعاية تكتنفهم وأمداد قومية تغنيهم عن السعي لأنفسهم؛ لأنهم لا يحسنون حيل السعي، ولا يجيدون عملهم إذا تفرغوا لممارسة العيش وإتقان حيله، فإذا التمس هؤلاء الباحثون مثلا يدعمون به رأيهم، فما نخالهم يجدون في تاريخ الآداب مثلا أصلح من شاعر كابن الرومي في زمان عجيب متناقض كأواسط القرن الثالث للهجرة.
طيرته
الطيرة شعبة من مرض الخوف الناشئ من ضعف الأعصاب واختلالها، الذي أشرنا إليه في الكلام على مزاج الشاعر، إلا أنها خوف خاص له بواعثه وأعراضه، وهي في ابن الرومي خلة خاصة قد بلغت مداها، ولبست ألوانا غير ألوانها في أكثر المتطيرين، بحيث وجب أن نفردها بالبحث في هذه الكلمة ببعض التفصيل.
فأصل البواعث التي أصابت ابن الرومي بداء الطيرة هو اختلال الأعصاب قبل كل شيء.
فالرجل السليم لا يتطير ولا يتشاءم؛ لأنه ينتظر من الدنيا خيرا، ولا يحس النفرة بينه وبينها، ومن ثم لا يحس الخوف والتطير منها.
Página desconocida