El Hijo del Hombre: Vida de un Profeta
ابن الإنسان: حياة نبي
Géneros
وأضحى يسوع يعلم قدر نفسه كما لو كان ملكا، فتؤذيه معاملة الدولة له كواحد من رعاياها، على أن ما بقي فيه من الحذر يدفعه إلى أن يرى من الصواب ألا يدع لأعدائه حجة عليه، فله في مصير يهوذا الجليلي الذي نغص صباه نذير، فيجد ذريعة لدفع ما تطلبه الدولة من الضريبة.
والحق أن يسوع راغب عن أي مجد دنيوي، وأنه لم يعمل لدنياه بفكره ولا بعمله؛ ظانا أن الإيمان به وبرسالته يكفي لتجديد عالم الروح من غير خطة مرسومة، ووضع وسائل لتنفيذها، ويسوع يعيش في صميم شعب الرب الذي ينتظر ظهور المسيح، أفلا يكفي شعوره الرباني المنير الصافي لإقناع جميع من يبوح إليهم بسره؟ والآن يساق إلى زوبعة مهلكة. يسوع الذي لم يرد انقلابا مدة طويلة ولم يدع إلى غير الألفة والمحبة.
ويتدرج يسوع يوما بعد يوم إلى تعظيم ما قدر له، فيعلن أنه أكبر من إبراهيم وسليمان فيقول: «كل شيء قد دفع إلي من أبي، وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الأب، ولا من هو الأب إلا الابن.» وينقلب شعوره الرقيق نحو الأب المحب إلى عجب كأن أباه لم يحب غيره ولم يعرف سواه، وينتحل يسوع أفكار قدماء الأنبياء الانتقامية المنافية لطبيعته الخاصة ما شعر بضرورة النضال، غير مقدر لوسائله التي ستقوده إلى مصيره المحتوم، فيخيل إلى الناظر أنه يدع نفسه إلى شديد القول؛ ليخفي صوته الملائم لحلمه الطبيعي، فاسمع قوله: «جئت لألقي نارا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟ ... أتظنون أني جئت لأعطي سلاما على الأرض؟ كلا، أقول لكم، بل انقساما؛ لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها.»
ويعلم يسوع مما أصاب يوحنا المعمدان، أن الله يدع أنبياء يألمون ويهلكون في الحال كما في الماضي، وليس بخاف عليه ما ابتلي به إبراهيم وموسى وأيوب، وهو يحب الحياة مع ذلك، وهو يجاهد لينصر مع ذلك، ولا يجد في حديث الأنبياء الذي يحفزه إلى أن يكون المسيح ما يوجب عليه أن يألم، وهو يعلن أحيانا أنه يطلب الموت ليقيم ملكوت السماوات، وهو يبحث، أحيانا، عن الألم والعذاب حيثما يكون؛ لما يرى فيهما من اللذة، وهو يلوح له أحيانا تمام كل شيء مع عرقلة الأشرار لما هو تام؛ فمن أجل ذلك تبصر ارتباط روحه في البعث والحساب، وشعوره بدنو أجله، فيقيم في الآخرة عالم نصره.
وعند يسوع أن يوم البعث الذي أنبأ به دانيال وأخنوخ «إدريس»، فلا يؤمن به اليهود، آت لا ريب فيه، فتراه يبشر به الأبرار تارة، ويهدد به الأشرار تارة أخرى، وعند يسوع أن يوم الحساب آت لا ريب فيه مع جهل الزمن الذي يحل فيه، أفيأتي بغتة كلص في الليل أم كبرق في الأفق؟ يعلم ذلك الأب وحده، ويعد يسوع مع ذلك تلاميذه برؤية ملكوت السماوات بعيونهم عندما يحثهم ويشد عزائمهم، وهكذا تجد تناقض يسوع في مسألة اقتبسها من قدماء الأنبياء؛ ففرضت عليه مع ما فطر عليه من محبة الآخرين.
ولم يخامر يسوع شك في مكانه بالسماء، وأستاذ يسوع المفضل في هذا هو أيضا دانيال الذي رأى «ابن الإنسان» يصعد إلى الرب مع سحب السماء، فيعلن يسوع أنه سيجلس عن يمين أبيه، فيملك بعد الدينونة إلى الأبد، وأنه سيمنح السلطان الذي احتفظ الأب به لنفسه حتى الآن، «فلا يدين الأب أحدا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن؛ لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الأب.» ويسوع الذي أعطي من القدرة ما لم ينله أحد قبله ، يستطيع أن يقضي منذ اليوم ، ويحكم ويختار، كما يريد، الأبرار، ويرفض الأشرار: «من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة ... أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا كما أسمع أدين ودينونتي عادلة؛ لأني لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الأب الذي أرسلني.»
وهكذا يسفر ولهه المسيحي عن وعد ووعيد متعاقبين، وهكذا يحمل نجار فقير الرب في قلبه، فيكافأ بحب فياض لأبيه وإخوانه، وللأبناء والحيوان والنبات، فيحمل في سنة واحدة على سلوك طرق تضيق وتصعب مقدارا فمقدارا؛ وذلك لأنه أكره على الإتيان بمعجزات يستثقلها، ولأن الجمهور يهتف له، ولأنه أضحى عرضة لريب الكبراء وهجماتهم وتقديس أهله وازدرائهم، ولأنه صاحب وجه بشير، ومصير نذير، ثم يعتقد أنه المنقذ الذي ينتظره شعب جريء معذب لينجيه فيسوسه، وبدا ميدان القتال صغيرا، وأسباب القتال تافهة في البداءة، فمن قلع بضع سنابل قمح في السبت، فإلى عدم غسل الأيدي قبل الطعام، فإلى محادثة العشارين والآثمين، وما كان النبي الجديد ليحرض الشعب عن نبذ الوصايا، وتجاهل النصوص، وإهمال القرابين، وإن كان ينفر من هذه الأمور، ولكن الذى يفصله عن أعدائه أمر نفسي أعمق من الشعائر والطقوس، وأبعد من أن يعرب عنه ناطق بفم.
حقا إن ذلك الرجل يعلن الآن أنه المسيح، ويدعي أنه مثل الله، وحقا أنه يهز الآن أقدم أعمدة هيكل موسى فيهتز ملكوت الرب، وحقا أنه يهدد حكومة الكهنوت من أساسها، فأية حكومة تظل مكتوفة الأيدي تجاه أعمال رجل يلوح أنه دجال أو ممسوس؟ فالآن يبدأ الكاهن الأكبر بزوي ما بين عينيه؛ فقد أنبئ بأن رجل الناصرة عاد إلى معبد كفر ناحوم، حيث أعلن أمام جميع الناس: «أنا خبز الحياة، من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا ... لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني ... لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني. إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير.»
وتذمر اليهود لأنه قال: «أنا الخبز الذي نزل من السماء .» فقالوا: «أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه؟ فكيف يقول هذا: إني نزلت من السماء؟»
ويكرر كلامه غير مرة مؤكدا، فيقول كثيرون من تلاميذه: «إن هذا الكلام صعب، من يقدر أن يسمعه؟» فيعرف أنهم أصبحوا من المرتابين، فينظر إليهم نظر الظافر فيقول: «أهذا يعثركم؟ فكيف إذا رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا؟ الروح هو الذي يحيا، وأما الجسد فلا يفيد شيئا، والكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة؛ ولكن منكم قوما لا يؤمنون.»
Página desconocida