El Hijo del Hombre: Vida de un Profeta
ابن الإنسان: حياة نبي
Géneros
فهل من العجيب إذن أن تصبح البلاد فريسة الفتن عند موت هيرودس؟ نادى الجنود بأنفسهم ملوكا في كل مكان، فتقاتلوا إلى أن أرسل العقلاء إلى رومة رسلا لينضموا إلى مهاجري اليهود فيها، فيضرعوا إلى القيصر المشرك أن يطرد ملوك اليهود الغاصبين الكاذبين، ويعيد الأمن والنظام إلى أرض الميعاد، فاستمع أغسطس لدعاء ثمانية آلاف يهودي في معبد أبولون متكلفا الجد، ضاحكا في قرارة نفسه، فاستجاب لهم تبعا لمبدأ «فرق تسد» الروماني، فقسم فلسطين إلى خمسة أقسام، معطيا أبعد هذه الأقسام وأفقرها لأبناء هيرودس الذين تباهوا انتفاخا بما تم لهم من ألقاب الملك، واحتفظ باليهودية فجعل منها ولاية رومانية، فصار الوالي الروماني يشرف من حصنه على الهيكل بأورشليم، قابضا بذلك على قلب فلسطين النابض.
يذكر ذانك الفريسيان الشائبان البلايا التي أصيبت بها بلادهما، ما ذكرا الماضي ونظرا إلى المستقبل في كل عيد فصح، فيسألان : ألا نزال شعب الله المختار ؟ لم يلمع على صدر رئيس الكهنة منذ مائتي سنة؛ أي منذ زمن متياس، العقيق الذي هو رمز لحضور الرب تقريب القرابين، فأين الخلاص؟ كل شيء في أورشليم مرتج
19
موقوف مراقب مهدد. فلترفع راية العصيان في الشمال، في بلاد الجليل المرتجاة حيث الشبان الحمس عازمون على فك قيود العبودية. ألم يكف إحصاء النفوس لحمل يهوذا الجليلي على الثورة؟ صاح هذا الوطني الحر أمام الحامية الأجنبية قائلا: «الإحصاء خزي وعار!» فجمع كتيبة من ذوي الحمية، فاشتعلت الفتنة في وجه رومة، وفي وجه أذناب الرومان من اليهود، وعلى رأسهم هيرودس، وفي وجه الثراء، وفي وجه السلطة الزمنية، فقيل: لا ينبغي ليهودي أن يعترف بسيادة أحد؛ فالله هو رئيس دولتنا، وشريعة موسى هي دستورنا، والرب في عوننا ما دمنا في عون أنفسنا، فنحن أرباب السيف، ونحن أهل القتال، ذلك ما رفعوا به أصواتهم حينما زحفوا لينازلوا كتائب القائد فاروس الروماني، بعد أن تسلحوا في مصانع الجليل السرية.
أجل، إنهم غلبوا، ولكن الحماسة التي اشتعلت في نفوسهم لم تخب، بل زادت سعيرا في قلوب أبناء من خروا صرعى في ميدان الوغى، فلم يبق لهؤلاء غير اهتبال الفرص عندما تلوح، ما تسلحوا سرا ووطنوا نفوسهم على دفع الشر بالشر، ومقابلة العدوان بالعدوان، فهذا جيش غير جيش قديسي الأردن الذين طمعوا في إعادة بناء المملكة بالصلوات والحلم وماء العماد؛ فمن بلاد الجليل، ومن بلاد الجليل وحدها يأتي الخلاص. •••
تزاور
20
الشمس عن سطح الهيكل الذهبي فتغرب في البحر، وتنير أشعتها الأخيرة معبد جوبيتر «المشترى» في قيصرية لا ريب. وتلك الشمس هي الشمس نفسها، وملك اليهود هيرودس الذي زخرف هيكل أورشليم بضروب الزينة، هو الملك هيرودس نفسه الذي أنشأ معبد جوبيتر ذلك، ونقص إيمان الناس منذ تم للسلاح فلاح لم تسمع بمثله أذن، فقامت دولة عالمية على شواطئ البحر المتوسط، فارتقى أناس إلى مصاف الآلهة، وإن لم تختلف أفكار المؤمنين عن أفكار آبائهم، وبلغت الآلهة زوس وجوبيتر ويهوه من الكبر درجة لم ير الإنسان معها أن يناضل عنها، ويقاتل إخوته في سبيلها، وانتشرت في رومة والإسكندرية وأورشليم مذاهب متعارضة متناقضة، فعاد الوحي الواضح لا ينير بصيرة الباحث الناصح، وقيل: إن أمثال الأجداد وشرائعهم ذوت في جميع الممالك واللغات والصحف المقدسة، وتذبذب السلطان، واحتقرت التقاليد، وصارت الصواعق لا تلقي الرعب في القلوب، وأضحت الشمس لا تغري الناس بالعبادة، ونصبت تماثيل للآلهة صرفا للنفوس عن الآلهة الخفية، ولا سيما ذلك الإله الواحد الذي لا تدركه الأبصار، ولا يناله خيال.
مثل الانقلابات الكبيرة، وأطوار النفس الكثيرة، وتموج المعتقدات القديمة كمثل الشفق الذي يبدو فوق أورشليم، ويترجح نوره بين جبالها والبحر المتوسط إلى أن يغيب، فإذا ما تلاشى المعتقد القديم كتلاشي آخر ضياء للشمس بعد غروبها كان ظلام، فتتابع نجوم، فإنارة فلك، وتتقدم الفلسفة حيث تتأخر الآلهة، وتتناجز المذاهب وتتناقض بدلا من أن تتحد، فهل في العالم مذهب نقي بعد؟ وأي الرجلين أشد عجبا وانتفاخا: آلرواقي اللوذعي الذي يتصنع الزهد فيلبس لباس الزهاد، ويؤمن بالقضاء والقدر، ثم يكافح وينافح، أم الأبيقوري الشهواني الخلي النكات في قاعات ذوي الثروات سعيا وراء أطايب النعم؟ كلاهما يدعو إلى الإخاء، والعناية بالفقراء، وتحسين حال الأرقاء، ولتعط الدولة ما تطلبه من المال والخدم لتكافئ كل واحد على حسب جدارته، وعكس ذلك ملكوت السماوات المفتح الأبواب للجميع، ولا سيما البائسين والمذنبين التائبين من غير نظر إلى الفروق والأهليات والقوات.
ويرى فيلو أن الشر في الصدر، وأن الإثم في الجسم، وأن البدن سجن للروح، وأن الناس متساوون أمام الرب الأب، فيطمعون أن يجتمعوا عنده حيث وطنهم الأبدي. فما أقرب هذا من قول الفريسي هلل، الذي جهر بمذهبه قبل فيلو بجيلين فجعل من نفسه المثل، فتصدق على الفقراء بما يملك فعاش وفق قوله: «لا تفرح بسقوط عدوك خشية غضب الله وانتقامه، وكن مع الضعفاء المظلومين لا مع الأقوياء الظالمين، واحذر نفسك بنفسك حتى يأتيك اليقين.»
Página desconocida