Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Editorial
دار الفكر العربي
Ubicación del editor
القاهرة
تفتيش أحوالهم ومراعاتها، ففكرت في ذلك سنين؛ لأعرف السبب الباعث لهم على هذا العجب... فلم أزل أختبر ما تنطوي عليه نفوسهم بما يبدو من أحوالهم ومن مراميهم من كلامهم، فاستقر أمرهم على أنهم يقدرون أن عندهم فضل عقل وتميز رأي أصيل، ولو أمكنتهم الأيام من تصريفه لوجدوا فيه متسعاً، ولأداروا الممالك الرفيعة ولبان فضلهم على سائر الناس، ولو ملكوا مالا لأحسنوا تصريفه فمن ها هنا تسرب التيه إليهم، وسرى العجب فيهم(١).
وهكذا تراه يكتفي بالظواهر حتى يدرس الأسباب ويسير على ذلك المنهاج في كل ما يكتب، سواء أكان يكتب في الأخلاق أم التاريخ - أم كان يكتب في الفقه، فهو ذو فكر عميق غواص يبحث عن الحقائق في مواطنها.
وإنه وقد آتاه الله هذه المواهب الفكرية يؤمن كل الإيمان بأن ((الله سبحانه وتعالى هو الذي وهبها له، وأن عليه شكره بالقيام بحقه، وأنه إن لم يقم بحقها أو اغتر بها فإنه يكون كافراً بها، ويوجه اللوم الشديد إلى الذين يغترون بمواهبهم، فيقول رضى الله عنه: ((وإن أعجبت بعلمك، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت، ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف، وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال، وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته. وأنه ركب البحر مرة. فمر فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه إخلالا شديداً لم يعاوده ذلك الذكاء بعد... وأنا أصابتني علة فأفقت منها... وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا مالا قدر له. فما عاودته إلا بعد أعوام. واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة والإكباب على الدرس والطلب. ثم لا يرزقون منه حفظاً، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده
(١) الرسالة المذكورة ص ٦١، ٦٢.
66