47

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Editorial

دار الفكر العربي

Ubicación del editor

القاهرة

وما يزهدني في أرض أندلس أسماء لمقتدر فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

كان ابن حزم يرتحل في مدائن تلك الدولة التي انقسمت إلى دويلات والعدو يتربص بها الدوائر، ولقد حل في إشبيلية عندما كان يحكمها المعتضد ابن عباد، من سنة ٤٣٩ إلى سنة ٤٦٤.

٥٥ - والمعتضد هذا هو الذي أغرى بابن حزم، فأنزل به أشد عقوبة نفسية تنزل بالعالم العظيم. ولكن الذي خففها أنها نزلت بابن حزم، وقد مرسته التجارب، وعرك الدهر حلوه ومره، وشرب من الكأسين، وأحس بأنه في مستوى لا تناله الآلام، مهما تكن حدتها، ولا صنوف الأذى مهما تكن قسوتها.

إن المعتضد هذا الذي تولى كبر الإحراق لكتب ابن حزم هو ابن القاضي أبي القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، والقاضي هذا هو الذي أنشأ ملك بني عباد، إذ اختاره أهل إشبيلية أميراً عليهم في عهد بني حمود عندما ضعفوا، وقد أدار إشبيلية وما حولها بمجلس شورى مختار من العلماء وذوي الرأي. فدبر الأمر أحسن تدبير، وكان صالحاً مصلحاً، إلى أن مات سنة ٤٣٩.

فجاء بعد المعتضد هذا فجری على سنن أبيه في إيثار الإصلاح وحسن التدبير وبسط العدل، مستعيناً بمجلس الشورى الذي أنشأه أبوه ولكنه بدا له من بعد أن يستبد بالأمور وحده وواتته مع هذا المقادير، وكان عنيفاً صارماً حديد القلب ذا دهاء، لا تقف في سبيل غاياته عاطفة إنسانية مهما قربت، حتى إنه ليقتل ابنه إذا علم أنه بأتمر به، ولقد قيل إنه في سبيل تسلطه على الشعب ادعى أنه استمد الولاية من هشام بن الحكم المؤيد، وأنه حي يرزق، ويقال إن الذي ادعى هذه الدعوى أبوه من قبله، لأن الشعب في إشبيلية ما كان يرضى أن يعيش من غير خليفة، ولكي يسهل على القاضي أبيه أن يبسط حكمه بسطة باسم ذلك الخليفة الموهوم على كل البقاع الأندلسية التي تقطعت أوصالها، ولا بد من جمعها، وما كانت لتجتمع على غير

47