27

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Editorial

دار الفكر العربي

Ubicación del editor

القاهرة

عبد الرحمن بن زيد الأزدي شيخنا وأستاذي رضي الله عنه، وكان أبو الحسين المذكور عاقلاً عاملاً عالماً ممن تقدم في الصلاح والنسك الصحيح في الزهد في الدنيا، والاجتهاد للآخرة، وأحسبه كان حصوراً، لأنه لم تكن له امرأة قط، وما رأيت مثله جملة، علماً وعملاً، وديناً وورعاً، فنفعني الله به كثيراً، وعلمت موضع الإساءة وقبح المعاصي، ومات أبو علي رحمه الله في طريق الحج(١).

٢٨ - هنا يكشف لنا ابن حزم عن سر عفته واستقامته في تلك الحياة الناعمة فيذكر أنها كانت مملوءة بالرقباء والرقائب، أي النساء اللاتي كن يراقبنه، وما أشد رقابة النساء، عندما يكون المرء متعرضاً للفتنة بالنساء. فإنهن يرقبنه في كل شيء، حتى في خلجات الأعين، وفي لمحات الوجه.

وتلك الرقابة المحكمة المفروضة عليه كانت ممن يملكها وهو أبوه الذي يحوطه بتلك الحياطة الكريمة. فقد كان حريصاً كل الحرص على تربيته وتنشئته تنشئة قوية في تلك الحلية من النعيم.

وإن هذه الرقابة لم تكن وحدها. بل كانت هناك قيادة نفسية مع تلك الرقابة الحسية، فإنه ما إن شب عن الطوق، حتى وجهه أبوه إلى صحبة رجل مستقيم النفس والخلق أخذ يشغل فراغه بمجالس العلماء، اختص من بين المشايخ بعزوف عن النساء، حتى عن الحلال بالنسبة إليهن، لم يكن خلب كبده امرأة مهما تكن العلاقة حلالاً لا حرمة فيها ذلكم الشيخ هو أبو الحسين الفارسي. أعجب الغلام ابن حزم بذلك الشيخ الحصور، كما سماه، فكان ذلك الإعجاب سبباً في أن غلق باب الانهواء في الأهواء والشهوات في قلبه، ذلك بأن القدوة الصالحة تقود النفس وتؤثر فيها أكثر مما تؤثر العظات القولية والتوجيهات الكلامية.

٢٩ - تثقف ابن حزم في فلك الحياة الهنيئة بما يتثقف به الناشئ في وسط بيوت الأمراء والوزراء، فحفظ القرآن وتعلمه، وحفظ قدراً من

(١) طوق الحمامة ص ١٢٦ طبع القاهرة.

27